عندما أتذكّر "الشيخ" الوائلي رحمه الله تأخذني نوبة من حسرة على طاقة ثقافيّة عملاقة أماتها ثقافة دينيّة غير مُلزِمة ولا ذات فاعليّة قابلة للتجديد, ضاعت وسطها مفردات الشيخ الخطابيّة الثمينة البليغة المشبّعة بكلّ "متواتر وحسن لذاته" ,ضاعت وسط مستنقعات مخّيّة يُقال لها عقول وما هي بعقول ..هي عبارة عن مقابر لخلايا دماغيّة ميّتة وضامرة بأعداد من التريليونات لم يسعفها الحظّ في العيش لقلّة "التغذية الفكريّة" واقتصارها على وجبة "غذائيّة" واحدة محنّطة ,تمغّص معدة خلية الدماغ وأمعائها فتموت بأعمار مبكّرة ,ومن بقي منها لا تعدو بقع "فانوسيّة" الضوء مغلقة لا اتصالات خارجيّة لها مع أخر خارجيّات سوى تبادل لمعلومة مكرّرة تحمل ذات الطابع, حوّلها "العِند" لآلام زائفة يصلح صاحبها أداء أدوار تمثيل من نفس النمط ببراعة..
هذا المثقف الرائع , الوائلي ,فلتة الزمان وأشهر خطباء العرب والمسلمين المتأخّرين والمولود متأخّرًا في زمن لا يُفترض هو زمنه رغم ما يشكّل مفخرة للعراقيّين والعرب.. عن نفسي أتأسّف أن تكون إطلالته على الناس من خلال الدين ..في الحقيقة لا تليق برجل يقطر فصاحة وحضور ذهني لحظي متوقّد وكنز معلوماتي لا يقدّر بثمن بأمسّ الحاجة إلى نبوغه الوثّاب وذاكرته النفّاذة مؤسّسات فكريّة وفلسفيّة معاصرة, أن يكون جمهوره "متديّنون"! ..إنّي كغيري على ثقة تامّة ,وإن لم يكن يفصح هو عنها علنًا لكنّه حتمُا راودته بينه وبين نفسه حسرات تمنّى فيها لو كان أطلّ على الناس مع بداية حياته عبر منبر آخر غير "منابر التخدير" هذه الّتي لا علاقة لها بشؤون وبشجون وبمتطلّبات العصر الحالي ,ولا حتّى بعصور أتت بعد ظهور الاسلام, إذ أصل الاسلام وأصل الأديان عامّةً نشر الخلق الرفيع بين الناس كما هو معلوم, ولكن يبدو تنقص وسائل التوصيل أساليب بلغة جديدة ذات تركيبة تماثل أو تلائم "ألياف التوصيل الضوئيّة" في حداثتها, ولذا نرى الأساليب القديمة "المنبريّة" أو "الخطابيّة" بقيت حبيسة زمانها الّذي ظهرت فيه لا تصلح للزمان الّذي تلاها والدليل الاضطرابات الدمويّة والانشقاقات الّتي حصلت.. أمّا باقي استخدامات أساليب التعايش وعلاقة الانسان بمحيطه فمتروكة لاجتهادات الناس وطبيعة كلّ بيئة وجغرافيا, أمّا كيف يكن ذلك؛ نتأكّد عندما نرى المتديّنون "هم من أكثر الناس فسادًا وسوء سلوك" "كما وصف ذلك وشخّصه الإمام الغزالي, وذلك بحسب قناعتي الشخصيّة لانحسار مساحات تطبيق موروثهم في أضيق زوايا "المساحات" لا تستطيع العبور لمساحات أخرى إلّا بالتزييف "لعدم التوافق الرقمي" كما نقول بلغة عصرنا ,بين القديم وبين الحديث ..هم سالكي التديّن لا يعلمون أنّ ثقافتهم ثقافة بائدة تصلح لظروف بادت لا يمكنها التجانس ,فكيف ومتطلّبات عالم أصبح قرية صغيرة وعلاقاته بين ناسه الأخلاقيّة والاجتماعيّة بكيمياء من تركيبة بيولوجيّة فرض تفاعلاتها بواقع جديد ,مشذّبة كثيرًا ومبسّطة ..اسف إن أطلت ,وجدت قلمي يسترسل دون اعتبارات كابحة ما أن خطر ببالي الوائلي العظيم..
مقالات اخرى للكاتب