لم يعد خافيا على أحد أن داعش لا علاقة له بمكون أو استقرار أو نسيج اجتماعي عراقي أنه عجلة تدمير بعقول متخلفة تعتمد الاثارة وسيلة لتبرير بقائها، فما حدث مع بيوت الله و ثروات العراق وآثاره يكشف عن هدف خطير في تخريب تاريخ العراق و الاساءة اليه بشكل كبير، لصالج جهات يهمها تحويل العراق الى أطلال منسية، ضمن اخفاق دولي خطير جدا في استيعاب الهجمة و العمل على وقفها لا انتظار نتائجها، ما يكشف عن خيوط غدر منسوجة بدم الانتقام من العراق أرضا و هوية وتاريخا.
ماذا ينفع العراقيون و الانسانية التنديد من اليونسكو و المجتمع الدولي بعد أن تهاوى تاريخ الانسانية بمعاول داعش!! ومن سيُعيد للعراقيين هذا الكنز الانساني الذي يؤكد عمق أصالتهم و تفاعلهم الانساني!! ولماذا يدمر كل شيء في العراق بارادات أجنبية!! أسئلة ملحة لا تجيب عليها دعوة اليونسكو مجلس الأمن لاجتماع بمواجهة هذه النكبة الثقافية، مثلما لا يخفف من وقع هذه الجريمة المروعة قول متحف متروبوليتان في نيويورك طوماس كامبل " هذا العمل التدميري الكارثي لا يشكل عدوانا مأساويا على متحف الموصل فحسب، بل على التزامنا الكوني باستخدام الفن لجمع الشعوب وتشجيع التفاهم البشري، يجب أن تتوقف هذه الوحشية المجانية قبل القضاء على كل آثار العالم القديم".
لا أعتقد أن العالم قد تفاجأ بما حصل ، لكنه تقاعس عن واجبه الدولي و الانساني، لأن هدم بيوت الله يؤسس لهذه البشاعة في التعامل مع التاريخ وعناصره الأساسية، و كأن مسلحي التنظيم لديهم عقد مع التاريخ بالانتماء و الولاء و المهام مدفوعة الثمن، فعن أي اسلام يتحدثون و السيوف تحز رقاب المؤمنين بلا وجه حق، ولما يموت الناس عطشا بسبب الحصار الذي يستهدف آهل السنة دون غيرهم، فما جرى في سنجار، رغم بشاعته، يمثل قطرة في محيط الأذى الذي يتعرض له ابناء الموصل و الانبار و صلاح الدين و ديالى مع ضبابية في الضحايا الجدد، ما يعني أن للتنظيم هدف تدميري محدد الخارطة و الأهداف يدار من خارج حدود العراق.
لا يجب ان يكتفي العالم بالادانات و اللسان السليط في الشجب و الاستنكار، فالقراءات غير الصحيحة للمفاهيم لا تبرر السكوت على الجرم، فآثار الموصل ليست أصناما للعبادة بل شواهد للتاريخ الانساني، مثلما اسم الرسول "ص" ليس محرما على بيوت الله، ما يستدعي محاربة مفاهيم الفتنة بما يناسبها من سلاح عسكري و ثقافي يمنع تحويل العراق الى بيت مهجور، لا سامح الله.
منذ أشهرو الحديث يدور عن نهب منظم لآثار العراق لكن العالم لم يظهر حسن نية في الخوف على هذا الموروث التاريخي، مثلما أخفقت الحكومة العراقية في حشد الموقف الدولي لحماية هذا الآرث الحضاري، بمقدار فشلها في تحشيد أبناء المدن الساخنة مبكرا لمقاتلة التنظيم بوصفهم الأعرف بما يناسبهم من تحركات على الأرض، ولأن الوصول هو أفضل دائما من البقاء في الخطوط الخلفية، على الحكومة استعادة الثقة مع أبناء المناطق الساخنة و تكليفهم بمهمة مساندة القوات الأمنية في مسك الأرض و تحرير المدن بمزاج وطني عراقي، يؤسس لشراكة شعبية في هذا الواجب التاريخي، و بما يساعد رجال الحشد الشعبي على تنويع جبهات القتال و اسقاط الوصف الطائفي الذي يروج له البعض من أجل خلط الأوراق لا تحقيق هدف التحرير.
لا يجب أن تمر جريمة متحف الموصل كغيرها ضمن استراتيجية تصعيد الصوت و ترك العمل الميداني، فالمساومات لا تبني وطنا و المزايدات تنخر المجتمع من الداخل، بينما الأخوة العراقية
لتحقيق الاستقرار هي اقصر الطرق لطرد طغاة الجهل في عالم التواصل، بعد أن كشفت استراتيجية داعش التخريبية و جغرافية ضررها أن مسلحي التنظيم ليسوا لنصرة آهل السنة كما يروج له مطبلو الفتنة بل مدمرا لهم بدفع خارجي، عجلت به ااستراتيجية التهميش و التخوين و القتل المبرمج ، التي يحصد العراقيون اليوم نتائجها الكارثية بدون حساب!!
مقالات اخرى للكاتب