في الدول الديمقراطية المتحضرة المؤمنة بالحقوق والحريات نهجاً وسلوكاً تجد فيها حكومة ترى أن مهمتها تقتضي توفير الخدمات لمواطنيها جميعهم دون استثناء بغض النظر عن شكلهم دينهم مذهبهم لونهم .
حكومة تضع القوانين لحماية مجتمعها وصون كرامة مواطنيها وحفظ حقوقهم ، وفي حال تقاعسها عن اداء تلك الخدمات تجد الشعب مطالباً باستبدالها ، ان لم نقل ان الحكومة هي التي تبادر في حل نفسها بنفسها . ففي النظم الديمقراطية التي يطلق عليها في الادبيات السياسية والفكرية تسمية حكومة الشعب نجد أن لتلك الحكومات مكاتب منتشرة في عموم البلاد مهمتها حل مشاكل الناس ومعرفة متطلباتهم ، ودعم بيئة التسامح والتي عمادها المواطن ، وتعليمه وتعزيز رفاهيته وتحقيق احلامه لبناء المستقبل . فما يميز تلك الحكومة انها حكومة مستقبل قوامها الابداع والابتكار في حل المشاكل واستشراف المستقبل بشكل صحيح . في العراق وعلى ما يبدو أن كل المفاهيم والمصطلحات المنطقية تبدو معكوسة فيه ، فالشعب تابع للحكومة التي تمن عليه ما تريد ، تلك الحكومة ومن خلال سياساتها المتعددة كأنها تريد ان توصل رسالة للشعب العراقي بأنك أيها الشعب المسكين والمغلوب على امره انت مصدر كل الإزمات والمشاكل في البلاد ، أنت مصدر البطالة والفقر والكساد الاقتصادي في العراق ، انت سبب التقشف الحكومي الحاصل الان . لهذا السبب فأن الحكومة مجبرة عن تقليل رواتب الموظفين واستقطاع جزءً منها وفرض ضرائب ورسوم جديدة عليه دون ان تمس اجراءتها التقشفية مظاهر البذخ والثراء الفاحش للمسؤولين الكبار في الدولة الذين نصبت لهم القصور ولاعوانهم داخل العراق وخارجه ، في ظل استمرار حالات الفساد المستشري في البلاد . والمستغرب في الامر أننا قد نجد مسؤولين في الدولة العراقية يوبخون الشعب وان كان بغير قصد في حال اشتكى من البطالة والفقر والعوز ولعل قضية الحلويات وشرائها نموذج عنها وكانها سبب بلاء البلاد والعباد .
فعلى ما يبدو أن شعب الحكومة قد اصبح ملك الحكومة تفعل به ما تشاء ولها الحرية في تحديد سلوكه وتصرفاته ، فبدلاً من ان تحاسب السراق والمفسدين وان تقدمهم للعدالة نجد أن الشعب العراقي هو من يدفع أثمان تلك السرقات ، وليصبح ابطال السرقات رموزاً وطنية وهم أهل الوطن ومن يعارضهم فهو خائن وزائل لا محالة . ففي شعب الحكومة لا يجوز للمواطنين الاعتراض على حكوماتهم ولا أبداء رأيهم في من يحكمهم ولا المطالبة باقالتهم ، وهنا نجد ان الحكومات العراقية المتعاقبة هي أبعد من ان تكون حكومة للشعب ، بل هي تعيش بعيدة عنه خارج معادلة الحياة العراقية ومتطلباتها اليومية ، حكومة تختلف عن غيرها من حكومات العالم في طريقة تعاملها مع من اوصلها للحكم ، ففي حكومات العالم تسعى السلطة فيها إلى كسب رضا وثقة مواطنيها من خلال التفنن في تقديم الخدمات له وإلا فان مصيرها الاستقالة والأتيان بحكومة جديدة ، على الرغم من ان الحكومات تلك التي نقصدها هي بعيدة عن الإسلام واخلاقياته ، فهي حكومات تعبد الاوثان والنار والحجر لكنك لا تجدها تغدر بالشعب أو تكذب عليه ، هي حكومات تمتلك الثقافة الإنسانية بمعنى الكلمة . فالحكومات العراقية المتعاقبة لم تقدم شيئا جديداً للشعب العراقي يستحق ذكره أو الاشادة به ، بل قدمت لنا مظهراً لسوء الإدارة السياسية والامنية والاقتصادية ، هي حكومات وعود ، حكومات كلمات وخطب ، توعدنا بالاصلاح ومحاسبة السارقين دون أن نرى شيئا منه . فهل يا ترى الحكومة نزيهة والشعب حرامي !!
.
مقالات اخرى للكاتب