منذ اكثر من شهرين دخل العراق شعبا واحزابا وحكومة وبرلمانا في ازمة اسمها تشكيل حكومة التكنوقراط. حتى بدا الامر وكأن كل مشاكل العراق سببها وزراء الحكومة الحالية ، وان الحل السحري لكل مشاكل العراق واصلاحها يتمثل بحكومة التكنوقراط .وفي الحقيقة لاتوجد مشكلة لدينا اسمها مشكلة وزراء، فالوزراء ابدوا تعاونا تاما مع رئيس الحكومة ووافقوا بسرعة على ورقة الاصلاح التي عرضها عليهم ، واثروها بنقاشاتهم ، كما حقق بعضهم نجاحات واضحة وكبيرة ولم يؤشر رئيس الحكومة على احدهم ملاحظة سلبية ولم يطلب من مجلس النواب اقالة احدهم وفقا لاختصاصاته في المادة 78 . ولم يطلب من مجلس النواب عند استضافته في المجلس عند تقديمه لورقة الاصلاح تخويله بتشكيل حكومة تكنوقراط ، لا بل ان السيد رئيس الحكومة صرح اكثر من مرة بانه لديه فريق وزاري منسجم وانهم اتخذوا العديد من الاجراءات الترشيدية والترشيقية .كما انه من المعروف ان منصب الوزير هو منصب سياسي وتوزيع الوزراء يكون حسب الاستحقاق الانتخابي في كل الحكومات الائتلافية في الانظمة البرلمانية في العالم وان المشكلة الحقيقية لدينا هي في المحاصصة فيما عدا الوزراء من رؤساء الهيئات ووكلاء الوزرات نزولا الى مسؤولي الشعب والوحدات . حقيقة لا افهم مالذي دفع السيد رئيس الحكومة لان يقحم نفسه والبلاد في ازمة تشكيل حكومة جديدة وهو يعلم جيدا ما هي الصعوبات التي اجتازها لكي يشكل حكومته الحالية . فأدخل البلاد والعباد وسلطات الدولة كافة في اكبر ازمة سياسية تشهدها البلاد تتمثل في تكرار ازمة تشكيل الحكومة بدون اي مسوغ وما يشهده البرلمان من انقسامات ما هو الا نتاج لذلك .وهو يعلم او نفترض انه يعلم بان ما نواجههه اليوم ليس ازمة حكومة وانما ازمة دولة .وانا شخصيا اتساءل لماذا لا يستفيد السيد رئيس الحكومة من اسباب النجاحات الباهرة التي حققها في العمليات ضد داعش لتطبيقها على ملف الاصلاح ؟
ان الاصلاح الحقيقي لا يبدا ولا يمكن ان يبدأ الا بتثبيت سلطة الدولة وتمكينها من تطبيق القانون وفرض اوامرها ونواهيها على الكافة وانزال العقاب على كل من يتجاوز على القانون بعدالة ومساواة وبصرف النظر عن ملته ومذهبه وكتلته ومنصبه . فبدون تثبيت سلطة الدولة وفرض هيبتها فان اي حديث عن الاصلاح ما هو الا خداع للشعب .فالدولة التي يخاف فيها القاضي من المجرم ، ويخاف الضحية وذويه ان يقاضوا المجرم ، ويخاف الشرطي من المتهم ،ويخاف فيها الطبيب ان يعالج المريض ، ويخاف فيها العالم من الجاهل ، والموظف من المقاول ، ومدير البلدية من المتجاوز على شوارع المدينة وارصفتها وحدائقها وتصميمها الاساسي ، فهذه ليست دولة ولا تتوفر فيها اركان الدولة ، والاصلاح الذي لا يصلح هذا ليس اصلاحا.
الحقيقة الكبرى انه بدون تشريع القوانين التي نص عليها الدستور فستبقى الاحزاب تشغل الفراغ التي يتركه غياب هذه التشريعات الاساسية اسوء استغلال وسيبقي الفساد والمحاصصة وسوء استخدام السلطة على ما هو عليه وسيتفاقمان اكثر .واي اصلاح لايصلح فيه القضاء ليس اصلاحا .واي اصلاح لايبدأ حالا بتحويل اقتصاد الدولة من اقتصاد ريعي الى اقتصاد متنوع ليس اصلاحا . واي اصلاح لا ينجز تسوية تاريخية بين كل العراقيين عدا داعش ليس اصلاحا . وكل اصلاح دون انجاز التعديلات الدستورية التي نص عليها الدستور نفسه في المادة 142 ليس اصلاحا . وان ايهام الشعب بان الاصلاح هو بتشكيل حكومة التكنوقراط ما هو الا ذر للرماد في العيون لن نكسب منه سوى المزيد من الانقسام في سلطات الدولة والمزيد من الوهن في نشاطاتها والمزيد من التجاوز على قوانينها وتعليماتها والمزيد من عدم الانصياع لاوامرها ونواهيها واذا ما استمر ذلك سيوصلنا حتما الى انهيار احد اهم اركان الدولة وهو (السلطة) وهو الركن الثالث لاي دولة في العالم وبدونه ستظهر بعدها شريعة الغاب لتحكمنا الاسود ثم الذئاب ثم الكلاب . اذن نحن امام ازمة دولة وليس ازمة حكومة
مقالات اخرى للكاتب