رحم الله الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا فقد اسس هذا الزعيم وبنضاله السلمي اسلوب التعامل مع الخصوم وحقق من خلال ذلك انتصارا على القوى الغاشمة مثلما فعل الزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي حارب بريطانيا بقوة الارادة .. ولم يكن الزعيم مانديلا وبعد خروجه من السجن زعيما تقليديا بل كان سفيرا للانسانية يعلم الطغاة والمستبدين دروسا في الاخلاق .. مات مانديلا وبقى اسمه مرسوما على جباه المستضعفين ومات غاندي وبقى اسمه خالدا .. فالتاريخ ومهما تمادى الطغاة في كتابته لاينسى اولئك الرجال الذين قدموا للانسانية انموذجا في التضحية والفداء لرسم معالم غد جديد يسعد شعوبهم وتبقى اسماءهم ارثا تفتخر به الاجيال .. وحتما ان مانديلا لم يكن مسلما وان غاندي لم يكن مسلما لكنهما اكتسبا تعاليم الدين الاسلامي في التعامل مع البشر بالفطرة وليس بالانتماء في حين نجد كثير من الدجالين وما مكثرهم في بلادنا يعلن جهارا انه من الاتقياء المصلحين المدافعين عن الدين ونصرته واعلاء شأنه وهو في كل مايفعل منحرفا عن اصول ومباديء الدين لا قد نجده سارقا ودجالا وطائفيا متبرقعا بعباءة الايمان يسعى للتلحس بعبائة الدين لغاية في قلب يعقوب مثله كمثل ذلك الدجال الذي يعبر نهر دجلة سباحة خمسة مرات يوميا قادما من جانب الرصافة باتجاه الكرخ لاداء مناسك الصلاة في احد المساجد وملابسه فوق رأسه متحملا برد الشتاء وحرارة الصيف وهو يعلم ان ان الوالي " والي بغداد " ينظر اليه وهو مستلقيا امام منزله متأملا ذلك الشخص معجبا بايمانه ..
ولما توفي وزير خزانة مال المسلمين لم يجد الوالي اكثر قبولية لاستلام المنصب غير هذا الشخص المؤمن التقي .. وبعد مرور سنه على تسلمه منصب وزير الخزانة قدم الى الوالي من يخبره ان وزير خزانته سرق المنقول وغير المنقول من مال المسلمين فتعجب الوالي من أمر هذا الشخص الذي أمتهن التظاهر بالايمان لتحقيق نوازعه الشريرة ولما طلب حضوره للاستفسار عن الامر اخبره هذا الشخص الذي يدعي الايمان وبكل صراحة بان سباحة النهر لتأدية الصلاة كانت مجرد مصيدة وخدعة افتعلها لايهام الوالي بايمانه ومحاولة كسب وده .. ومهما كانت طريقة الخداع التي يتبعها اصحاب الضمائر الميته من الذين علقت باطراف ملابسهم اوساخ المذلة والخسة والدنائة فان المواطن بات اليوم اكثر وعيا وهو يؤشر بصمت سرقاتهم للمال العام وخستهم حتى بات يكلم نفسه مرددا المثل القائل " مو احنه دافنيه سوه " وعن اسباب اطلاق هذا المثل بحسب كتاب الامثال الشعبية يقول الكاتب ان رجلين من مدينة البصرة عزما تأدية فريضة الحج الى بيت الله الحرام وكانا يستعينان بحمار يساعدهما على نقل امتعتهما وما ان وصلا مسافة من الطريق باتجاه بيت الله الحرام حتى مات الحمار الذي يرافقهما ..
وعرفانا منهما بافضال الحمار قاما بدفنه وبعد الانتهاء من عملية الدفن وضعا راية فوق القبر ليسترشدا بها طريق العودة وبعد انتهاءهما من تأدية مناسك الحج والعودة وجدا ان قبر الحمار اصبح مزارا لاعتقاد من مر بالقرب منه من الزوار ان هذا القبر يضم رفاة احد الصحابة الاجلاء فقرر الرجلان البقاء في المزار ليكون المزار مصدر رزق لهما بدلا من حياة الفاقة والحرمان في مدينتهم البصرة على ان توزع الاموال المقدمة من قبل الزوار للمرقد بينهما اسبوعيا وبعد مرور سنه طلب احدهما السماح له بزيارة الاقارب والاصدقاء في البصرة وبعد قضاء شهر على زيارته عاد الى صاحبه الذي يسكن المزار ولما طلب منه تقسيم المبلغ المستحصل خلال غيابه اعطاه صاحبه مبلغا اقل مما هو معتاد استلامه اسبوعيا ولما اعترض على المبلغ بدأ صاحبه يقسم بالاولياء والاتقياء بأن المبلغ مضبوط ولا توجد فيه زيادة او نقصان ولما شاهد علامات الغضب مرسومة في وجه صاحبه اقسم بروح من يرقد المزار بان هذا المبلغ هو الايراد المستحصل من الزوار خلال غيابه فقال له صاحبه " ولك يا صحابي الي تحلف بي مو احنه دافني سوة " يقصد الحمار .. هذا المثل يؤكد لنا ان الدجال والمخادع وسارق المال العام لايتصف باخلاق ايمانية كما يدعي فهو شخص دجال يتخذ من الايمان والتقوى منهجا له للتستر على نوازعه الشريرة وحماقاته في سرقة المال العام ..
فالسارق والمختلس لادين له وان كان له دين فدينه الدينار مثلما يقول المثل " دينكم دنانيركم " وحملة القضاء على هذه الامعات واجتثاثها هي حملة ايمانية تتطلب تظافر كل الجهود الشعبية لمحاربتهم تنفيذا لتعاليم ديننا الاسلامي " من رأى منكم منكرا فاليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان " فعلى من بيده الامر في السلطة الحاكمة ان يكون اكثر حزما في الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه من المسؤولين سرقة المال العام ليكون عبرة لمن اعتبر للسراق والمرتشين وما اكثرهم في العراق بعد ان اصبح هؤلاء داء يتطلب استئصاله من خلال الاستفادة من تجارب الماضي القريب حيث يقال ان رئيس الوزراء في عهد النظام الملكي نوري سعيد قام بزيارة لمقر احدى الوزارات وسمع بوجود عامل خدمة " فراش " يمتلك دارين يعمل في مكتب الوزير وما ان تأكد نوري سعيد من صحة المعلومات التي وصلته حتى اقال الباشا الوزير وهو يردد مع نفسه " اذا جان الفراش يمتلك دارين فكيف بالوزير
مقالات اخرى للكاتب