لا يهمني ماذا تعني الشرعية الدينية للحاكم وقدسيته في الوعي الديني للمجتمع وكيف يستغل ذلك كونه خليفة او أميرا او ملكا او رئيسا او سلطانا او وليا فقيها ...
بقدر ما يهمني شرعيته الاجتماعية والشعبية المستمدة من إرادة الناس وفقرائهم وقبولهم به ورضاهم عنه وتغنيهم بعدالته ومساواته بينهم وما يقدمه من خدمة وحرية وحماية وغيرها من أبجديات الحياة اليومية للإنسان والعيش بكرامة بعيدا عن المحسوبية والفساد المالي والإداري والمحاباة والتمييز بين الناس لقرابة او لدين او لجنس واستناداً لدستور عادل ومطبق تماماً على الحاكم اولاً ، واعتقد جازما ان هذا هو جوهر الدين الحقيقي .
حكم الخليفة عثمان12 عاما تقريبا وقتل بعد ذلك في مظاهرات غضب شعبية كان منظومها يتجمعون في "ميدان التحرير" ويهتفون يومها "الشعب يريد إسقاط الخليفة " .
فيما حكم الخليفة مبارك 30 عاما جرى خلعه بعدها في مظاهرات شبابية عارمة أجبرته على التنحي وتسليم السلطة ، الأمر جرى بعده على مرسي بفترة قليلة ، مبارك الذي جاء محمولاً على اكتاف العسكر بعد مقتل السادات امضى 30 عاماً في الحكم لكن الشعب لم يتحمل مرسي الإسلاموي الاخواني عاماً واحداً .
تجمع متظاهرون الأمس من ولايات متعددة كما تنقل الأخبار ذلك ، والأكثرية من مصر ، ثم البصرة ، والكوفة ، والحجاز وغيرها .
لم يستجب الخليفة لمطالب الناس او انه استجاب لكنهم كانوا يريدون محاكمته او خلعة او غير ذلك ، المهم انهم لم يتفقوا على خارطة طريق للحل الذي يقنع الجميع .
قتل الخليفة ... قتله المتذمرون والناقمون والجائعون واليائسون والمحبطون ، قتله من شعر بالظلم والحيف ، من شعر بأنه مواطن من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة ، ولم يكن يومها إعلام ينقل الحدث ، فلا جزيرة ولا بي بي سي ولا انترنت ولا فيس بوك .
وأنا هنا لا اتهم الرجل ولا ابرر قتله واقصد الخليفة عثمان فلم اعش عصره ، لكنني أتعامل مع الحدث من منظور اجتماعي ومن رمزية الاحتجاج والثورة .
لم تكن تلك الحركة او الثورة من ثمرات وبركات الفيس بوك .
ولم تكن يومها أمريكا وإسرائيل رغم ان من يقرأ التاريخ سيجد بين سطوره نفس التبريرات التي نسمعها اليوم ونفس الخطاب أحيانا .
نعم لقد كانت للعملية أثارها السلبية والتي فاقت حلم الطامحين بالتغيير ، فحروب طاحنة وانقسام واضح استغل الحادث بعدها استغلالا سياسيا بشكل عنيف قاد المجتمعات في وقتها إلى الانشقاق لمعسكرين ، مُتهَم يدافع عن نفسه ، ومُتهِم يطالب بدم الخليفة الشهيد ، وهي امور معروفة لا نريد ان ندخل في كواليسها وتشعباتها .
ليس المهم ان تحكم بأسم الدين او ان تكون ناطقا باسمه وما هي علاقتك بهذا الدين ، فالخليفة كان صحابيا ومقربا من رسول الله ومع ذلك ثار عليه الشعب .
جرد نفسك من الميول وستجد ان كل من يحكم بأسم الدين او يحاول ان يدعي ذلك في عالمنا المعاصر ليس مقدسا ولا منزها ولا معصوما من الخطأ وكذلك فلا حصانة له لو شعر الشعب بأنه لا يلبي تطلعاتهم ولا يعاملهم بمساواة ويميز بينهم ، فالخليفة الثالث بعد النبي أسقطته ثورة شعبية رغم انها انتهت إلى الطريق الأعنف ، وما أروعها لو مثل الخليفة أمام القضاء يدافع عن نفسه ويبرر تعيينه لأقاربه الولاة .
جرد نفسك من الميول وتفاعل مع كل مظلومية للإنسان شرقا وغربا ..تفاعل إنسانيا واجتماعيا قف مع كل الشعوب التي تريد ان تعيش بحرية وسلام وحياة أفضل في العراق والسعودية وإيران ومصر والبحرين واليمن وليبيا والجزائر وتونس والكونغو والصومال .
استمرت الخلافة في واقعنا العربي بشكلها المطلق منذ أكثر من 1400 عاما وهي مستمرة وللأسف فالخليفة او الحاكم العربي يربطهم التصرف المطلق بكل شيء والمصير النهائي المعروف :الموت او القتل او الخلع بالقوة .
في العراق الذي يعيش تجربة ديمقراطية وليدة نتيجة احتلال أزاح خليفته المجرم وسلم السلطة لصندوق الانتخاب الذي لا نعرف تماما كيف نتفاعل ونتعامل معه ، مازلنا نعيش فترة الخلافة نسبيا فالطبقة السياسية والمسؤولين مازالوا يتعاملون بتلك العقلية في التعالي والتفرد والتصرف المطلق بكل مقدرات الأمة وإحاطة أنفسهم بهالة وقدسية تنم عن استلهام الأفكار نفسها خصوصا وان الأكثرية الحاكمة تنطلق من تصورات دينية مشابهة لتصورات الخليفة في الحكم ، مليارات تسرق ، وسجناء يهربون ، وفقراء يموتون بعصف المفخخات ، خدمات غائبة ، فيما الخليفة وحاشيته يحاط بكل اسباب الرفاهية والأمان !
سنظل نهتف دائما ..الشعب يريد إسقاط الفساد ..الشعب لا يريد خليفة ..الشعب يريد مؤسسات ورئيس ووزير ومسؤول عادل ونزيه يسقطه الشعب متى ما أراد ، وليسقط كل ظلم وكل فساد وكل دكتاتور في كل زمان ومكان مهما كان مبرر حكمه وشرعيته .