العرب عهدوا أنظمة فردية وملكية وجمهورية وغيرها , على مدى القرن العشرين , وتواصلت الأجيال وهي في دوامة الإذعان والإستسلام والتبعية للكرسي , بما يرمز إليه من القوة والسلطة , وما تعلمت غير ذلك.
كما أنها تحررت من المسؤولية , وألقت بها على عاتق الدولة والحكومة والنظام الحاكم.
وأصبح مفهوم الحكم في اللاوعي العربي , عبارة عن الإستئئار بالقوة والسلطة وفعل الجور والظلم .
ولابد للجميع أن يتمحور حول شخص واحد , تُضفى عليه صفات وسمات كامنة فيهم , لكنهم يسقطونها على الذي يتوهم بالقوة , وما أن يسقط حتى تدوسه سنابك المؤيدين والمتظاهرين بالحب والتمجيد له.
وهذا يعني أن هناك مشكلة خفية كامنة في الأعماق , مفادها التقاطع ما بين الحاكم والمحكوم , وأن فيها درجة عالية من المشاعر السلبية المكبوتة.
ولا يمكن التعافي من الحالة , بمجرد إسقاط النظام الحاكم , والقول بالعمل بالديمقراطية.
لأن الديمقراطية توصيف غريب ومجهول ومبهم , وغير وارد في التأريخ العربي , إلا في مرحلة الخلفاء الراشدين , والذين إنتهوا بالقتل إلا أولهم.
أي أن الديمقراطية قد ترافقت مع الدم , ففي زمن الخلفاء الراشدين , والذين هم أصحاب الرسول الكريم , وحملة راية الإسلام الواضح المبين الصريح الصحيح , تم التجرؤ عليهم وقتلهم , فكيف نتصور الديمقراطية في هذا الزمن العسير , المؤزر بطاقات الشرور وأدواته الفتاكة.
هكذا هي العلاقة السلوكية والنفسية ما بين العرب والديمقراطية.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال ترسيخ المفاهيم الديمقراطية في العقل والوعي , من غير تفاعلات إيجابية ما بين الأجيال , ذلك إن من أكبر وأعظم أسباب المراوحة والتقهقر , هو تقاطع الأجيال , بل تصارعها وتقاتلها.
إذ يتحول كل جيل إلى قبيلة , وتحصل ما بين الأجيال نعرات التفاعل القاسي , مثلما تحصل بين قبيلة وأخرى , وهذا سلوك فاعل في أعماق الإنسان , وعليه أن يواجهه ويتشافى منه , لكي يرتقي إلى السلوك الديمقراطي المعاصر.
وبما أن المشكلة كذلك على ما يبدو في أغلب الأحيان , فأن القوة لا بد منها لردع الإنزلاقات القبلية التصارعية الدامية , وفقا لشريعة قبائل الأحزاب والفئات والطوائف وغيرها من المسميات.
وقد شهدت الدعوات الديمقراطية خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات , وتشرذم أبناء الوطن والدين الواحد إلى قبائل , غايتها إنهاك وجود بعضها , والإجهاز على وطنها بإسم الدين والديمقراطية.
وعليه فأن تدخّل المؤسسة العسكرية المستقلة في العملية الديمقراطية من ضرورات بنائها , وتأهيل الشعب نفسيا وسلوكيا , لإستيعاب مضامينها ومراميها الوطنية والإنسانية.
وعلى الغرب أن يعي هذه الحقائق الفاعلة في المجتمع , وأن لا ينظر إليها بمنظار رؤيته الديمقراطية الناضجة المتقدمة والمؤثرة بالسلوك , وفقا للضوابط والقوانين التي تحافظ على مضامينها وآلياتها.
فالعرب لا يزالون في وادي الغاديات يقبعون , والديمقراطية تحلق بحاضرهم كالسراب الذي لا يدركون!!
مقالات اخرى للكاتب