المجتمعات البشرية فيها الكائن والكامن, وهي تتعامل بالكائن ولا تغطس إلى الكامن, أو تعبّر عنه وفق سياقات الكائن في الحياة.
ولو تأملنا أية دولة متقدمة , سنجد مجتمعا متنوعَ الأطياف والرؤى والإتجاهات, فيه لغات وأديان وقوميات متعددة.
وهي مفردات إجتماعية قائمة, ذات كوامن, يراها الجميع بوضوح , ولا يتحرك على ضوئها , لأنه يجد نفسه ضمن الكائن وليس الكامن.
هذا الكامن لو تحرك لذاته , لحقق الحروب والنزاعات المتواصلة , ولتحولت الحياة إلى جحيم, بينما هو غائب ومرفوض إجتماعيا وفكريا , وفقا لما هو كائن وصالح للجميع.
ولو تأملنا مجتمعاتنا لرأينا أن كوامنها بإسم الديمقراطية المجهولة قد برزت بقوة , لأن الكائن الحضاري الذي تتفاعل فيه ضعف وغاب.
فالكائن يصنع وجودا آمنا ومنهاجا عمليا للمجتمع , فيكون من خلاله قادرا على تحقيق ذاته , والتعبير عن حياته والعيش بسلام وسعادة.
والكائن المُعبّر عنه بالدولة وقوانينها وأدواتها عندما يضعف, فأن الكوامن البشرية تتفاعل بأسلوب دفاعي للحفاظ على وجودها, الذي تشعر بأنه مهدد لفقدان الكائن الآمن الجامع , ومن هنا تبدأ مسيرة التفاعلات الخطيرة لتؤذي الوطن والدولة.
إن بزوغ الكامن في أي مجتمع تحققه عوامل الضعف التام للدولة أو غيابها ,
ولا يمكن أن تكمن الكوامن إلا بحيوية الكائن الذي تترعرع فيه وتكون.
وأطياف أي مجتمع لكي تتخلص من سلبياتها, عليها أن تجدّ وتجتهد في سبيل تحقيق دولة قوية , تساهم بإعادة الكوامن إلى مخابئها, وتحقق كائنا إجتماعيا تتحرك فيه , وتعبّر عن نفسها من خلاله.
هذا الكائن بأدواته التشريعية والتنفيذية والقضائية, هو الذي يصنع محيطا قويا ووحدة وطنية صحيحة.
أما إذا أُطلِق العنان للكوامن لتتشامخ , وتقضي على وجود الدولة , فأن ذلك سيدفع إلى مالا يحمد عقباه.
فالكوامن المنطلقة تدفع إلى صناعة صراعات لا تستفيد منها ولاتحقق وجودها فيها.
إن العلاقة ما بين الكامن والكائن , لابد لها أن تأخذ أسلوبا آخر, مثلما هو حاصل في الدول المتقدمة , حيث يذوب الكامن في بودقة الكائن المتحقق, ويكون الجميع أبناء وطن واحد, لا يعرفون شيئا كائنا , إلا دولة ذات راية واضحة, يحقق فيها الجميع الخير للوطن الكبير.
فالمجتمعات لا تتحرك وفقا لما هو كامن بل لما هو كائن , وواضح ومتعارف عليه من أسباب تحقيق الحياة الجماعية في الوطن.
في الدول المتقدمة, كلٌّ يحمل هوية ويعبّر عنها , في حدود ما يراه مفيدا وصالحا للجميع , ومؤكدا لوطنيته وإنتمائه لبلده الذي يعيش فيه.
فالإنتماء الوطني وقوة الوطن وعزته أعلى قيمة من الكوامن التي يحملها , لأنها تفقد قيمتها بغياب الوطن الذي تستمد منه قوتها , ودورها ومعنى وجودها الإجتماعي.
إن قلب الحقائق ومعارضة بديهيات الحياة والإنحسار والتكتل لا يفيد , بل أن يتوجه الجميع نحو غاية واحدة عنوانها , صناعة الكائن الوطني الذي يحقق القوة والسعادة , والعزة والرفاه لجميع أبناء الشعب , وبهذا تستطيع التعبير عن التطور والحضارة والسلوك الديمقراطي الصحيح.
فهل سنتعلم التمسك بالكائن لا بالكامن , لكي نحقق حياتنا الديقراطية المعاصرة؟!!
مقالات اخرى للكاتب