انتهينا في وقفتنا السابقة مع خطاب سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي حفظه الله الى بيان اهم خصائص مفهوم العزلة بمعانيها الثلاثة وهي بختصار .
1 - المقاطعة التامة للمجتمع الفاسد والحكومات المنحرفة والجلوس في البيت او المسجد لانتظار التغيير نحو الاصلاح والهداية من السماء (الانكفاء على الذات وترك الاختلاط بالناس ).
2 - المقاطعة النسبية من خلال العمل والتحرك نحو الهداية والاصلاح بعيد عن المجتمع الفاسد والحكومات المنحرفة .
3 - العمل والاختلاط بالمجتمع والدخول بالحكومة رغم انحرافها وفسادها بشرط المباينة والتمايز (يعني إبقاء الخط الفاصل بين المنهجين والسلوكين والرؤيتين)
وفي وقفتنا هذه نحاول ان نعرف ما هو تكليفنا في التعامل مع المجتمع من خلال المعاني الثلاثة لمفهوم العزلة .
فالمتتبع لخطب وكلمات وبحوث سماحة الشيخ اليعقوبي يلاحظ ان سماحته حين يتناول شرح وبيان اي مفهوم اسلامي انه يقدم اراء الاخرين حول المفهوم وبعدها يطرح رايه او الراي الذي يرجحة ويؤمن به من الاراء المطروحة ،وهذا ما يسير عليه اغلب المفكرين والباحثين .
لكن في خطاب يوم العيد نلاحظ وعلى غير العادة ان سماحة المرجع بعد ان اعطى رايه لمفهوم العزلة بمعناها المباينة والتمايز وهو ما يؤمن به ويؤيده وضرب لنا مثلا ومصداقا من واقعنا السياسي الحالي
(خذ مثلاً سلوك السياسيين فهل تجد فرقاً بين من يرفع شعاراً إسلامياً ويعتبر حزبه إسلامياً وبين الآخرين؟ )
مع ملاحظة ان المثال هنا للمقارنا بين الاحزاب الاسلامية كافة وغير الاسلامية وليس بين الاحزاب الاسلامية نفسها كما يتصور البعض )
وبعد المثال طرح سماحته سؤال ؟
(فإذا لم تجد فرقاً من حيث الفساد والاستئثار بأموال الشعب والأنانية وعدم الاكتراث بحال الشعب وعدم الاهتمام بإعمار البلد وازدهاره؟).
وهذا السؤال استنكاري يتضمن الاجابة في فحواه ،بانه لا يوجد هناك فرقا او تباين وتمايز بين الاحزاب الاسلامية وغيرها على الاقل في وقتنا الحاضر ،وهذا ما افهمة من خلال استخدام سماحته لاداة الجزم (لم) (فاذا لم تجد فرقا..) والتي تدل على نفي الفعل في الزمن الماضي ؟
وبعدها ما تقدم طرح سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي الراي الثالث لمفهوم العزلة بمعناها الانقطاع الى الله تعالى في كافة امور الحياة وعدم الاعتماد او الاتكال على اسباب المخلوقات العاجزة امام الله تبارك وتعالى لانه هو مسبب الاسباب .
(أن يكون الاعتزال بمعنى الانقطاع عما سوى الله تعالى وعدم التمسك بأي سبب من المخلوقات، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (لا يكون العبد عابداً لله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلهم إليه فحينئذٍ يقول: هذا خالص لي، فيقبله بكرمه)
فذِكرُ الله تعالى والتمسك بالنبي وآله الكرام (صلوات الله عليهم وسلامه) وولاية أهل البيت (عليهم السلام) هو الكهف الذي نكون فيه دائماً ونأوي إليه باستمرار وان كنّا في أوساطهم ، قال تعالى: [وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً] (الكهف16
والذي استوقفني هو سرد سماحته لقصة السيد الشهيد محمد صادق الصدر قدس سره حينما اعتزل الحوزة والناس لاكثر من 14 عام ((إنني يوماً فتحت القرآن الكريم لأجد فيه منزلتي أمام الله سبحانه أو قل – بالتعبير الدنيوي- (رأي) الله فيَّ، فخرجت هذه الآية من سورة الكهف: [وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً]، إن كل هذه الآية مفهومة لي بحسب حالي يومئذٍ إلا قصة (الكهف) الذي يكون من المطلوب أن آوي إليه، أي كهفٍ هذا؟ وذهبت إلى الحرم العلوي (على ساكنها السلام) عسى أن ينفتح لي هناك عن هذا المعنى، وبدأت بزيارة (أمين الله) حتى وصلت إلى قوله (عليه السلام): (اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك راضية بقضائك.. إلى قوله: يا كريم) وقد حصل لي في تلك اللحظة ش(حدس) قوي بأن الكهف الذي يجب أن أدخله هو هذا، أي أن تصبح نفسي على هذه الأوصاف وتجانب ما سواها))
وهذا التقديم والتاخير في خطاب المرجع يوم العيد بين ما يؤمن به من معنى لمفهوم العزلة (التباين والتمايز) مع الراي القائل بلانقطاع عن المجتمع ،وذكره لقصة اعتزال السيد الشهيد الصدر قدس يجعلنا نتوقف لاناخذ بعض الدروس والتكاليف ونثير بعض التساؤلات ومنها ؟؟
اولا : ان هذه المعاني الثلاثة لمفهوم العزلة هي معاني صحيحة وهي متحركة غير ثابته تتحرك بتأثير الزمان والمكان والضروف الموضوعية لحركة المجتمع مع الاهداية والاصلاح فعلينا ان نفهم ربما يكون تكليفنا الانقطاع التام عن المجتمع وربما يكون تكليفنا العمل والعيش وسط المجتمع والدخول بالسلطة رغم انحرافها بشرط (المباينة) وربما يكون تكليفنا العمل بعيد عن المجتمع وخارج السلطة المنحرفه للتاثير بالاخرين نحو الهداية والاصلاح ؟
ثانيا : وهي تساؤلات عما تقدم من التاخير والتقديم بين معاني العزلة وذكر سماحته لقصة السيد الشهيد الصدر قدس ؟؟وهذه التسائلات هي
هل هو ضمن السياق الطبيعي للخطاب الذي يحتاج في بعض الاحيان الى هذا التاخير والتقديم وذكر القصص لشد المستمعين والقراء للتفاعل مع الخطاب ؟
هل سماحة المرجع ينبهنا الى مسئلة الاهتمام بتربية انفسنا والانقطاع عن المجتمع لنأوي الى (الكهف) لنربي انفسنا التربية الصحيحة والسليمة حتى نصل الى مرتبة الانقطاع عما سوى الله تعالى ؟
هل ان سماحة المرجع قد وصل الى قناعة تامة بأن الامة بما فيهم ال 5% لم تتفاعل معه ولم تطع اوامره وتوجيهاته ليلفت انتباهنا بأنه في اي لحظة ممكن ان يعتزل الناس او على الاقل العمل الاجتماعي والسياسي لينتظر ان يهيء له الله تعالى من امره مرفقا كأستاذه ؟؟؟
الى هنا توقفت لاحتفظ بالوقفات الاخرى مع خطاب المرجع يوم العيد لنفسي وعائلتي عسى ان ينشر لي ربي من رحمته ويجعل نفسي مطمئنة بقدره راضية بقضائه واسألكم براءة الذمة .
مقالات اخرى للكاتب