دخل فلاديمير بوتين فجأة حلبة الملاكمة السورية المتخمة بالدم، والمزدحمة بالأسلحة الفتاكة، وبالمال السعودي القطري، (المتلتل) في قاصات شيوخ الإرهاب، وزعماء (النصرة والجيش الحر)، فأحرج بدخوله كل المعنيين باللعبة، سواء أكانوا ملاكمين، أم حكاما، أم هيئة جوري، أم جمهورا رياضيا، أم غير رياضي!!
أي أن (ستالين الصغير)-حيث يحلو للبعض ان يسمِّي الرئيس بوتين- قد أحرج الموالين والمعارضين لوجوده في ساحة الصراع السورية.
وأعتقد أن الحرج الأكبر، كان نصيب المؤسسة الرئاسية والعسكرية الأمريكية. فحفيد الطباخ الخاص بلينين وستالين، خلط الأوراق عليهم مرة واحدة، ولم يعط المجال لأحد بمعرفة أوراقه، وخططه، وطريقة لعبه. وأمريكا التي تقود التحالف الدولي، ترى أن سوريا والعراق وتركيا، ومايقع بينهم وحولهم من الدول، منطقة خاصة بنفوذ حلف الناتو، ولايسمح لأحد اللعب فيها دون موافقتهم، وترى أيضاً، أن أمر ضبط إيقاع هذه المنطقة - المهيئة للإشتعال بأية لحظة - منوط بأمريكا وحلفها لاغير. وبمعنى أدق، إن أمريكا التي تمارس مهمة (القبضاي) المسؤول عن حماية هذه (الحارة)، ترفض دخول الأغراب اليها..
ولما دخلت روسيا بطائراتها ونيرانها أجواء الحرب السورية دون أذن من أحد، أصبح لزاماً على أمريكا (القبضاي)، أن تتصدى لهذا الدخول وتمنعه بالقوة.. وهذا يعني أن الطائرات الأمريكية ستتصدى للطائرات الروسية، وإن إشتباكاً جوياً سيحصل بين الطرفين، وستنتج عنه خسائر كبيرة، وبالنتيجة فإن حرباً كونية ثالثة ستنشب لا محال. لكن أمريكا لم تمض لهذا الحل الصعب، إنما لجأت لحلول عقلانية صحيحة، وهو أمرغريب على العقلية الأمريكية المتعودة (دايماً) على الحلول العسكرية الشديدة، كما حصل في أكثر من قضية سابقة !!
والقرار الأمريكي العقلاني المتمثل بعدم التصادم مع الطائرات الروسية له إنعكاسات سلبية كبيرة ستؤثر على مستقبل النفوذ والوجود الأمريكي في المنطقة.. بمعنى ان عدم وقوف امريكا بوجه روسيا في سوريا، سيجعلها بنظر أصدقائها صغيرة وضعيفة، وخارجة عن ثقة حلفائها مثل تركيا وقطر والسعودية.
ومع هذا فإن أمريكا لم تحرج لوحدها في المأزق الروسي، إنما معها السعودية أيضاً، فالرياض التي راهنت بنصف مردودات نفطها على حصان (إسقاط بشار الأسد)، خرجت من الرهان خاسرة تماماً، بدليل أن حكام السعودية وافقوا على أرباع الحلول وليس على أنصافها.. فبعد أن كانوا لا يقبلون بأي حل ليس فيه مغادرة بشار الأسد لكرسي الرئاسة، صاروا يتفاوضون على حكومة مشتركة معه..
اما قطر التي أعطت مالها وحالها للحرب في سوريا، على أمل الفوز، أصبح كل بيضها اليوم في سلة داعش. وداعش الزائلة من الوجود لا محال، لن تبقي على بيض قطر في سلتها مهما كانت الظروف. فهي ستكسره عاجلاً أم آجلاً على رأس (أمير قطر وأمه المتصابية)!! ونفس الشيء حدث لتركيا. فأردوغان اليوم بات مثل (بلاع الموس) الذي لن يقدر على بلعه، ولا على إخراجه.. فكلاهما يذبحه ويجرحه..
فروسيا أكبر وأقوى من أن يواجهها أردوغان لوحده.. وأمريكا لا تريد مقاتلة بوتين.. بينما خصمه الأسد يقوى كل يوم، وعدوه الكردي يثبت أقدامه في الملعب التركي، ويكشرعن أنيابه كلما التقيا بمحطة من محطات إستنبول، او في مواجهة من المواجهات في ديار بكر!!
نعم هذا ما فعله بوتين، فإنظروا ما فعله هذا الرجل الخطير، القادم من مدرسة (الكي جي بي) السوفيتية الرهيبة..!!
أمريكا اليوم (دايخة) مما فعله بوتين في سوريا، فهي لا تعرف ماذا تفعل.. وماذا تقول.. وما عملية الإنزال في الحويجة إلا ورقة يلعبها البنتاغون، لإفهام الجميع بأنها لم تزل موجودة!!
أما السعودية فقد هرولت نحو موسكو، عارضة على بوتين صفقة عسكرية كبيرة ومتطورة جداً، تدفع الرياض ثمنها بأكثر من عشرة مليارات دولار، لشراء أسلحة لا تحتاجها السعودية، ولا تعرف حتى إستخدامها.. وهي رشوة واضحة لإخراج طائرات موسكو من أجواء سوريا والعراق!!
ونفس الشيء يحدث لقطر، فالمجاميع التي تمولها قطر تصرخ وتنوح، وكذلك تركيا، وما يتبع لتركيا.. حتى في العراق، فقد علا نباح السياسيين التابعين لداعش، والسعودية، وقطر، فهم يطالبون العبادي بعدم دعوة روسيا للمشاركة في محاربة داعش في العراق.. وما تلكؤه في دعوة روسيا رسميا – وليس إعلامياً – إلاَّ إستجابة لهذا النباح الطائفي!!
أخيراً: إن مشاركة روسيا بالحرب ضد الإرهاب في سوريا بهذه الفاعلية، لم يكسر شوكة الإرهابيين، ويحرر أغلب المدن السورية، ويرفع هيبة الدولة والنظام هناك فحسب، ولم يوقف عزم الطائفيين في لبنان والعراق فحسب أيضاً، إنما أرغم رافضي الحوار، على الجلوس خلف طاولة السلام مع الرئيس الأسد.. وهذا لعمري واحد من أهم منجزات دخول (الحاج بوتين) الى حلبة الملاكمة السورية.
مقالات اخرى للكاتب