الأرض العربية موطن الرسالات السماوية , ومنها إنطلقت الأديان إلى الدنيا كافة , فاليهودية والمسيحية والإسلام , إنبثقت في الأرض العربية , وقبلها أديان لا تحصى ولا تعد إبتدأت فيها وإنتشرت منها.
وفيما يخص الديانات الثلاثة المعروفة بالسماوية , أن منبعها من بلاد الرافدين , حيث هاجر أبو الأنبياء إبراهيم منها , بعد أن صارت النار بردا وسلاما عليه , وكانت معه زوجته سارة التي بلغت من العمر عتيا , والتي وافقت - بعد حين وكما تورادته الأجيال من قصة ذلك - على أن تكون هاجرا زوجة لإبراهيم وأنجبت إسماعيل , وبعد ذلك جاء إبراهيم مَن توجس منهما خيفة وبشراه بإسحاق , فأنجبت سارة إبنها إسحاق , ومنه إنطلقت ذرية الأنبياء منذ يعقوب وإنتهاءَ بعيسى , وقصة إبراهيم وإيداعه لهاجر وإبنها إسماعيل في مكة معروفة , والذي سعت أمه هاجر ما بين الصفا والمروة تبحث عن ماء , حتى تفتقت عين زمزم.
وكبر إسماعيل وأنجب ذريات , ومنه إبتدأت قبائل العرب , وأشاد البيت العتيق مع أبيه إبراهيم , وصار مكانا يحج إليه الناس من كل فجٍ عميق.
ومن الأرض العربية إنتشرت المسيحية إلى أوربا ومن ثم أمريكا , ومع الأيام إنغرس في وعي الأجيال الغربية أن المسيحية دينهم وحسب , وأنها لا علاقة لها بالعرب وأرضهم , مع أنهم كل عام يمارسون ذات الطقوس التي كانت تدور في ديار العرب , ويرتودن ملابسهم ويتمثلون ثقافاتهم وعاداتهم , وكأنهم يعيشون تناقضا غريبا , فحالما تقول لهم أن موطن المسيحية بلاد العرب وأرضهم , وأن الأديان كافة ولدت فوق ترابهم , يحملقون بوجهك مستنكرين , وهم يحسبون أن المسيحية من حكرهم , وأن العرب لا ناقة لهم ولا جمل فيها.
وفي واقع الأمر لا يمكن فصل الحياة العربية عن جميع الأديان لأنها توالدت فيها وتفاعلت معها الأجيال وتعلمت الكثير منها , لأن المجتمع العربي مدرسة صريحة تعلم طقوس وممارسات هذه الأديان.
فالعربي يعرف اليهودية والمسيحية والإسلام , وأي تصور أو إعتقاد غير ذلك , يساهم في تداعيات حضارية خطيرة وتفاعلات تدميرية صاخبة , وما هذه المشاعر السلبية المنغرسة في الوعي البشري إلا لأسباب تجارية ومصالح سياسية , ومن آليات فرض النفوذ والسيطرة على الآخرين.
ولا تزال هذه الأمية الدينية طاغية في المجتمعات الغربية بأسرها , وهي تتوهم أنها راعية المسيحية ووعاؤها , وتتجاهل الوعاء العربي , وموطن المسيحية وجذورها , وتقلل من أهمية دورها في الحياة العربية , والثقافة العربية , وتنكرها , بل السائد أن لا توجد كنيسة أو معبد في البلاد العربية.
وهذا التصور المُشاع يخلق حالة تناحرية وصيرورة تنافرية تستنزف طاقات الأجيال المتواكبة , ويساهم العرب في هذه الإنحرافات المعرفية والسلوكية مما يؤدي إلى خسائر حضارية مروعة.
فالمعابد والكنائس والجوامع بدأت وشُيّدت في الأرض العربية قبل جميع بقاع الأرض , ولا يوجد أقدم مما في الأرض العربية.
فلماذا تسعى البشرية لمقاتلة جذورها , وعدم إحترام تربة مقدساتها ومولد أنبيائها ورسلها؟!!
مقالات اخرى للكاتب