ما أن تشاهد القنوات الاخبارية وهي تبث الوقائع التي تجري في العراق، وفي كل ضغطة زر على الريموت كونترول، يتلطخ وجهك برشقة من الدم العراقي الحرام.
قنوات تلفازية محلية تميل إلى هذا الطرف أو ذاك تعيد بث مقاطع فيديوية لإعدام جنود مكبلين من قبل ملثمين، في حين تبث قنوات أخرى صورا لجثامين قتلى تقول انهم قضوا على أيدي القوات الأمنية، وكل هذه الصور تبث لتسري كمسرى الدم في عقل الانسان، وتغذي الكراهية والبغض، دون مراعاة من هذه القنوات في أن تضع تحذيرا أو تنبيها يلفت إلى احتواء المواد الفيلمية على مشاهد مروعة.
ولكن هذا يحدث، وأعني تنبيه المُشاهد، في القنوات التي تحترم نفسها وانسانيتها وحرفيتها. ولكن في قنواتنا الصفراء كل شيء مقبول، تحت ذريعة الغاية تبرر الوسيلة، ولا أسهل من أن توقد النار في كومة من القش، وما أسهل أن تبث الطائفية في مجتمع يتقبل أن يتحول بين لحظة وأخرى، من ليبرالي جميل، إلى طائفي ذي بأس شديد.
إن رواج هذه الفيديوهات التي تدعي القنوات أنها استقتها من مواقع التواصل الاجتماعي، لا يأتي من جهود فردية أو عفوية، حيث أن هناك جهودا تبذل واستعدادات لتسجيل هذه الفيديوهات من برامج بثتها قنوات معينة، وكأن القضية هي اعادة انتاج ترويجي، وعملية تكرار لطبع هذه المشاهد المدمرة في ذهن المواطن، وتهيئته لاستقبال الحرب الطائفية وهو مذعن تماما، نتيجة لكمية الخوف الذي غُذّي به.
حين تتصفح في مواقع التواصل الاجتماعي، تجد على بعض الصفحات مثل هذه الصور الفيديوية والفوتوغرافية، مذيلة بعبارة "تم تسريب هذا الفيديو من إحدى الجهات الأمنية"، والمفروض أن الجهة الأمنية، بما أنها "أمنية" لا تسمح بتسريب عود ثقاب إلا تحت رعايتها واشرافها، وإن حدث وحصل مثل هذا التسريب فهذا يعني أن هذه الجهات الأمنية مخترقة من عناصر تعمل على وفق مخططات وتوجيهات تتلقاها من جهات أخرى تعمل تحت إمرتها، وتسعى لتنفيذ مخطط اشعال الحرب الأهلية بأي ثمن كان.
كل هذه الأحداث تقع، والتصعيد الذي يهيمن على كل شيء في هذا الوطن المنكوب، يأتي في ظل تراجع سياسي، واخفاق يضاف إلى سلسلة اخفاقات وهزات مرّت بها العملية السياسية الموضوعة في حاضنة الخدج منذ أكثر من 10 سنوات، تخللتها سنتان من الاحتطاب الطائفي، الذي ما زال شبحه يخيم على البلاد، ويعشش في تفكير أمراء الطوائف وقادة الحرب الأهلية المتعطشين لسفك دماء جديدة، والاجهاز على من نجا في الحرب الأولى.
في خضم هذه التطورات، يبحث الجميع عن عقلاء، وينادون عليهم ولكن ليس بأسمائهم، حيث تعجز أن تجد العقلاء يخوضون بحر الدم المتلاطم، ومن له القدرة على القول يخشى ألا يسمع صوته، نتيجة عناد هذا الطرف أو ذاك، في حين أصبحت الحكومة المثقلة بالمشاكل ليست حكما عدلا، لأنها طرف في كل نزاع، وخصومها كثر، والرئيس غائب، وعلاقة رئيس مجلس الوزراء ليست على ما يرام مع رئيس السلطة التشريعية، وحلفاء الحزب الحاكم منهم من اتخذ الوقوف على التل أو توجيه الانتقاد لسياسة حليفهم في إدارة الأمور.
ولا حل يلوح في الأفق سوى إعادة ترتيب أوراق العملية السياسية، في خطوة جريئة يتخذها السيد المالكي بوضع جدول زمني لتنحيه، وافساح الفرصة للتحالف الوطني بتشكيل حكومة تسيير أعمال والاعداد لانتخابات برلمانية مبكرة، ربما ستكون هي الفيصل في حل جميع المشاكل التي قد تعصف بالعراق شعبا وأرضا.
مقالات اخرى للكاتب