في وطني الموت والحياة صديقان حميمان لا يفترقا عن بعضهما فترة طويلة , وصداقتهما قديمة ازلية بعشق ارض الرافدين , وعلاقتهما الوطيدة تحتم عليهما تقديم بعض التنازلات للطرف الاخر وفق ما تقتضي مصلحة ذلك الطرف , فقد يحل الموت ضيفاً على قوماً يعشقون عشرته فيلتمسون منه المكوث طويلاً بينهم , فيحقق رغباتهم بحصاد ايامهم المتبقية احتراماً لضيافتهم الكريمة حد تقديم ارواحهم وارواح الاخرين بأرخص الاثمان , فتغادر الحياة المكان لتترك لذلك الصديق متعة الاقامة .
المتابع للمشهد الدموي على الساحة العراقية اليوم , يرسم بدهشة صورة الذهول نتيجة تفاعل مشاعره مع الحدث, وفق منظر الدماء وقوة التدميرومأساة الناس وغياب المطاردة الامنيةالتي يقارنها ببعض لقطات الاثارة في افلام الاكشن الامريكية , دون المشاركة في ايجاد حلول لتلك الالغاز في المشاهد المتكررة .
طلبنا من ضيفنا الاقامة وقمنا بمنحة الحصانة , وتوفير كل اسباب نجاح مهمته في الحصاد وفي نهاية المشهد لطمنا على رؤوسنا لهول الفاجعة وعظم المصيبة وقتل الانسانية بدم بارد ونحن من رسم تلك النهاية بسيناريو مدفوع الثمن , اثرنا على انفسنا من خلاله نتيجة الغرور والطمع والانتقام ان نقبل ضيافة الموت لنبعد الحياة عن طريقنا .
هنالك حلقة مفقودة من المعادلة , حين نتابع المشهد نرجح كفة الارهاب بقوة التدمير واختيار الاماكن والتوقيتات , ونلقي اللوم على الحكومة والاجهزة الامنية لضعف اداءها والعجز في التصدي للإرهابين , وننسى ان المواطن ذلك الميزان الذي يكشف مسبقاً وزن تلك الكفتين فيساهم في ترجيح احداهما على الاخرى من خلال القراءة والاشارة الى مكامن الضعف في احدى الطرفين .
وبما ان المواطن شريك اساسي في الحفاظ على الامن وسلامة المجتمع الذي يعيش فيه , يكون لزاماً عليه المساعدة في استتباب الامن والقضاء على الارهاب بالكشف عن اوكاره وتقديم ابسط المعلومات التي تساعد في الدلالة على الارهابين ومخططاتهم , فالوطن ملك للجميع وحماية امنه مسؤولية الجميع والكل شركاء في تحديد المصير , وكلنا مستهدف لان الارهاب اعمى لا دين له ولا يفرق بين ذكر او انثى .. طفل صغير او كهل كبير .
في التسعينيات من القرن المنصرم شهد العراق سقوط النظام فيه لعدة اشهر وفي الكثير من المحافظات العراقية وخلت الساحة من أي مظاهر حفظ الامن , لكن الامن بقي مستمر والناس تمارس حياتها اليومية مع بعض التغيرات الطفيفة في شحة المواد وارتفاع اسعارها , ولم نرى مشاهد قتل ودمار كالتي نشهدها اليوم , وهذا خير دليل على قدرة المواطن ودوره فيالحفاظ على الامن ورغبته بالتعايش السلمي .
ونفس ذلك حصل اثناء فترة سقوط الصنم وقبل تشكيل الحكومة المؤقتة , وهنا استغرب من فقدان الحس الوطني لدى المواطنين !! اكثر من استغرابي لضعف اداء الحكومة والاجهزة الامنية , واحمل المواطن المسؤولية مناصفة مع الحكومة واجهزتها في كل ما يحصل اليوم , الموت لن يتوقف عن حصاده ما دام ضيفاً في ديارنا وسيأكلنا تباعاً كالنار في الهشيم ولن ينجوا احد منا , اليوم صديقك وجارك وغدا اخيك وابن عمك وبعدها انت وطفلك , لندع الخجل وحب الشهوات ولنطرد الموت بضيافة الحياة من جديد .
مقالات اخرى للكاتب