طيور الابابيل تجمعت كالغمائم فوق سماء بلادي, من كل الاتجاهات تأتي الاخبار المحزنة كالصواعق, شبح الهجرة ابتلع شبح الموت في صراع مرير لسرقة الاجساد بعيداً عن ارض العراق, فقد ازكم الموت اديمها وبات اهلها ينامون على الاجساد.
كثيراً ما رددنا عبارة "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل" وايام الدراسة تشهد في الذاكرة, وكان كثير منا يتأمل مفردتا ( الرماية والسباحة), لان لغة تقطيع الاجساد بالسيوف الحادة هي السائدة آنذاك, والرماح ثانوية للفوز في اية معركة, والشباب المسلم لا يحتاج تعلم السباحة لان بيئة العرب صحراوية, تفتقر وجود البحار والانهار وبالخصوص في الجزيرة العربية.
الحجب ترفع عن سرائر الامور, واصبحنا بأمس الحاجة لتعلم الرماية اليوم, لأنها لغة الرصاص الذي تسيد مشهد الموت بجدارة, وبات الرمي ضرورة من ضرورات الحياة والفوز بدنيا الجهاد, ليشهد لنا عند الامير باننا اول الرماة, اولادنا باتوا يجيدون الرماية كما يحسنون التسابق على الموت بإرادتنا, وليس باختيارهم طريق الصواب.
الشباب التزموا بتسلسل القول في الكلم, وبات تعلم الرماية من الاولويات في حياتهم, وحين اشتد الضِّراب, التف الاعداء لوضع وصية السباحة على طاولة السم المدسوس بالعسل, وقاموا بمد الجسور الى البحور, وهيجوا العقول بتلميع الاماني , يساعدهم في ذاك اصحاب التأثير بالأغاني من انصار ابو الفرج الاصفهاني, لتصبح الرحلة اكثر تشويقاً.
لسان حال الوطن, الاب, الام, الاخوة, الاحبة, الاصدقاء, وين رايح.. تدري انه بحاجتك.. وين رايح, اعلم ان من حق الجميع السفر للدراسة والعمل والعلاج والسياحة والاستجمام والاطلاع على ثقافات الشعوب, لكن هجرة الوطن خط احمر, مهما كانت الحجج, ان كان النظام في البلاد دكتاتورياً او ديمقراطياً, ان كانت الحريات مصانة او مقيدة, فانتَ شريك اساس في بناء الدولة التي ولدت فيها وتنتمي اليها, والنظام السياسي شريك في البناء شأنه شأنك, لماذا تتنازل عن نصفك المسؤول عنه؟! وتقرر الهروب, الا اذا كنت غير قادر على تحمل المسؤولية.
شبابنا مستقبلنا المشرق, يعزُ علينا فراقكم وانتم عمادنا واملنا في التحرر والخلاص من قيود العبودية, بما تحملون من افق واسع وصدر رحب, كما انكم تعلمون صعوبة التحديات وعظم المرحلة التي نعيش, عسى ان تدركوا خطورة تلك الخطوات التي لا تخلوا من وجود مؤامرات خبيثة لأبعادكم عن اوطانكم, وازهاق ارواحكم, ونهب اموالكم, في عمل يعتبره البعض من افرازات هذه المرحلة الحرجة من التاريخ.
لاشك بانه اختبار صعب لكم في زمن لبس الباطل بالحق, لكن ضعوا نصب اعينكم وطنكم واهليكم, وامامكم الذي بأمس الحاجة لنصرتكم, ويعز عليه ان يراكم في بلاد الغربة بعيداً عن اوطانكم ونصرتكم للحق فيها.
مقالات اخرى للكاتب