منذ العام 2011 وسوريا تتمزق وتتعرض لدمار ما بعده دمار بعد ان تحولت التظاهرات والاحتجاجات التي انطلقت باسم الربيع العربي المشؤوم،ليتحول مسارها فيما بعد الى حرب أهلية مستعرة ،واستغلت هذه الفوضى من التنظيمات الارهابية، وظهور ما يعرف بتنظيم داعش الذي استغل هذه الفوضى ليسيطر على مدن مهمة غنية بحقول النفط والغاز السورية،فمنذ بدأت الازمة بذلت جهود دولية واقليمية وقدمت العديد من المبادرات لحلها سلميا أيرزها المتمثلة بمؤتمرات جنيف الاول والثاني اللذان لم يحققا أي تقدم في اطار الحلول السلمية ،وذلك لعمق الخلافات بين الاطراف المتحاربة ،ولعدم جدية الولايات المتحدة بحل الازمة سلميا .
بعد التوقيع على الاتفاق النووي الايراني مع الدول الغربية الكبرى في شهر تموز الماضي ،جددت الامال في تشجيع المساعي الرامية بالتوصل الى حل سياسي للازمة ،فالحرب لا تزال مستعرة منذ اكثر من 4 سنوات يبن الجيش النظامي السوري والفصائل الارهابية المسلحة التي تستهدف الاطاحة بالرئيس بشار الاسد ،هذه الحرب التي كلفت سوريا أكثر من 250 الف قتيل ،واجبرت اكثر من 11 مليون شخص تركهم منازلهم وفرارهم من سوريا ، ودمرت البنية التحتية للبلاد وانهكت الجيش السوري ،ودمرت اقتصاد سوريا حيث ستبلغ الخسائر المالية نهاية 2015 نحو237 مليار دولار، وبدأنا نرى بصيص من الامل بعد ان عقدت اجتماعات دبلوماسية على مستوى عال لتعود الجهود السلمية للحياة من جديد .
لقد أدركت الدول الكبرى وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة ،وانضمت لهما ايران والمملكة العربية السعودية ،وأصبحوا أكثر أصرارا للمضي بالحلول السلمية للازمة السورية ،ووضعها على طريق أكثر استقرارا ،وهذا يصعب تحقيقة ما لم تتضافر الجهود للقيام بحملة كبيرة وفعالة وموحدة ضد داعش والقضاء عليه نهائيا ،فالتقارب الحالي بين روسيا والمملكة العربية السعودية يمثل توجها جديدا للحل السياسي للمأزق السوري ،حيث بادرت روسيا لعقد لقاء بين مسؤولين كبار في المخابرات بين البلدين في الاسبوع الاول من شهر اب 2015 والذي سمي باللقاء المعجزة جاء بعد 20 يوماً من لقاء سان بطرس بورغ الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بيوتن مع ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان ،حيث وصل مسؤولان رفيعا المستوى احدهما في الاستخبارات السورية والاخر في وزارة الخارجية الى المملكة للتشاورمع مسؤولين سعوديين ، بعد ما نسقت السعودية مع حلفائها ،وكانت الخطوط العريضة للنقاش تمركزت على وقف الدعم بكافة أشكاله للمعارضة السورية ،مقابل اخراج عناصر حزب الله والميليشيات الشيعية وأيران من سوريا ليكون الحل سوريا سوريا ،وأكدت المصادر ان السعودية لم تطلب من سوريا الابتعاد عن ايران ثمنا للتقارب.
لقد عانى الجيش السوري من استمرار القتال ضد الفصائل المسلحة الارهابية ،وأخذ يعاني من كثرة الخسائر بين صفوفه ،وكذلك ازدادت المخاوف لدى الادارة الامريكية وروسيا والسعودية من انهيار الجيش السوري ،وأذا ماحدث ذلك ،فأن داعش سيسيطر على سوريا في حال سقوط الاسد،ورغم دعم الولايات المتحدة لما يسمى الجيش الحر وبعض الفصائل المعارضة ،وتدريبهم وتجهيزهم بالسلاح بالاضافة الى شن غارات على مواقع داعش داخل الاراضي الســــورية ،الاان هذه الجماعات التي تدعمها امريكا لا تزال تتصارع فيما بينها ،وفشلت امريكا لتوحيد هذه الفصائل .
لم تكن التحركات الدبلوماسية تستند على ستراتيجية واضحة لحل الازمة السورية ،الاان تحرك مجلس الامن التابع للامم المتحدة في وقت سابق من شهر اب 2015 لحث الحكومة السورية ومعارضيها على متابعة واستمرار المفاوضات للتوصل الى حل سياسي على غرار محادثات جنيف التي جرت عام 2012 . لكن اصرار الولايات المتحدة وتركيا والسعودية على الاطاحة بالاسد ورحيله واعتبروه شرط اساسي للحل السياسي للازمة السورية يعرقل هذه المساعي،من جهة اخرى ان روسيا وايران تعارضان هذا التوجه ،فيما يعتقد مسؤولون امريكيون ان روسيا مستعدة للتخلي عن الاسد كجزء من خطة لاستقرار سوريا ومنع استيلاء داعش عليها . وانضمام روسيا الى التحالف الذي يحارب داعش هو الامر الذي كانت تعمل عليه الولايات المتحدة منذ عام 2014 وكان موقف روسيا متصلباً بهذا الاتجاه ،حيث كانت روسيا مدعومة من الصين لمساندة الاسد في قمع التظاهرات ،واستخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين ،وكانا يمنعان محاولات مجلس الامن للضغط على الاسد من خلال العقـــوبات وغيرها من الوسائل للتوصل الى حل للازمة .
عقد اجتماع ثلاثي ضم وزراء خارجية روسيا وامريكا والسعودية في قطر يومي الثاني والثالث من اب 2015 لبحث ملفات تسوية الازمة السورية عبر الوسائل السلمية،وسبل مواجهة تنظيم داعش ،وكشفت مصادر دبلوماسية ان موسكو اجرت مفاوضات مع واشنطن والرياض معلنين عن مبادرة تشكيل تحالف دولي اقليمي يضم نظام الاسد ودول المنطقة لمواجهة مخاطر تنظيم داعش وتنامي الارهاب في الشرق الاوسط ،وان هذه المبادرة تحظى بدعم سعودي امريكي مع تاييد نظام الاسد لها مما يستوجب وضع اليات لتنفيذها على ارض الواقع،واكدت مصادر مطلعة ان المشاورات التي جرت خلال الاسابيع الماضية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والتركي رجب طيب اردوغان تركزت حول ضرورة بقاء الاسد على راس نظامه خلال المرحلة الانتقالية ،باعتبار ان سقوط الاسد سيفتح الباب امام سيطرة الجماعات الارهابية المسلحة .
ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية ان الاتفاق النووي الايراني سيمهد الطريق لمحادثات لحل الازمة السورية سياسيا ،لافتة الى ان زيارة وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند الى ايران تعد مرحلة جديدة في البحث عن حل لهذه الازمة من خلال اذابة الجليد بين الغرب وايران،وفي مقال بعنوان (اتفاق ايران النووي يمهد الطريق لمحادثات بشأن الازمة السورية ) للكاتب جوليان بورغيمر جاء فيه : استهل وزير الخارجية البريطاني هاموند مرحلة جديدة في البحث عن حل للازمة السورية بأذابة الجليد بين الغرب وايران الذي يمهد الطريق لمحادثات جدية ،ونقلت الغارديان عن هاموند قوله بعد لقائه الرئيس الايراني حسن روحاني (ان طهران ولندن تسعيان لاستخدام مناخ الاتفاق النووي الايراني لمناقشة الازمة السورية ،وغيرها من القضايا الاقليمية).
يذكر ان الخلاف بين بريطانيا وايران حول الملف السوري هو الرئيس بشار الاسد ،حيث يرى الايرانيون ان بقاء الاسد على رأس السلطة ستبقى سوريا متماسكة ،في حين ترى لندن قد لطخت يديه بالدماء ويجب ان يرحل ،الا ان المحادثات الجادة في طهران تغلبت على هذه العقبة .
الولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي مع ايران اخذت تهتم بالحل السلمي للازمة السورية وأخذت تسعى بجدية لوضع نهاية للحرب المدمرة التي بدأت منذ اكثر من اربع سنوات ،حيث عينت مايكل راتناي مبعوثا خاصا جديدا لحل ازمة سوريا سلميا في تموز 2015 وسيقوم المبعوث الجديد بزيارة مكوكية الى موسكو والرياض وجنيف اعتبارا من 28 اب و لغاية الثاني من ايلول 2015 وسيلتقي بمسؤولين روس كبار ومسؤولين سعوديين كبار ثم يختتم مشاوراته بلقاء ستافان دي ميستورا مبعوث الامم المتحدة الخاص لسوريا ، لمواصلة المشاورات والمناقشات بشأن الجهود السلمية لانهاء الازمة المدمرة في سوريا .
نتمنى ان تتكلل جميع الجهود الخيرة والساعية لانهاء هذه الازمة المدمرة سلميا و التي عصفت بمنطقة الشرق الاوسط وجعلت دولها تعج بالفوضى وعدم الاستقرار، وبانتهائها سيستقر العراق ومصر وليبيا وتونس ويعم الامن والسلام على جميع دول المنطقة .
مقالات اخرى للكاتب