لكل شعب من شعوب العالم حضارته وتاريخه الموغل بالقدم ومن حق تلك الشعوب الأعتزاز بتلك الحضارة وذلك التاريخ. وتختلف حضارات الشعوب الواحدة عن الأخرى من ناحية قدمها ومدى ما أسهمت فيه من اضافات انسانية الى شعوب الحضارات الأخرى . وتميزت حضارة العراق (وادي الرافدين ) عن حضارة وادي النيل وبلاد فارس والهند والصين كونها اقدم الحضارات حيث أن عمرها يتجاوز(6000) سنة وكما تميزت أيضا بعطائها الأنساني والعلمي والأجتماعي وشواهد حضارة وادي الرافدين وأثارها كثيرة ويكفي تلك الحضارة فخرا انها قدمت مسلة حمورابي للعالم حيث يعتبرما كتب فيها من قوانين وضوابط شملت جميع نواحي الحياة أشبه بالدستور! الذي تسير عليه الدول في عالمنا الحاضر. ولكن توقف أشعاع تلك الحضارة وعطائها منذ فترة طويلة بسبب قرون الظلام والأستبداد التي مرت بالعراق. وعلى الرغم من مجد تلك الحضارة وعظمتها ألا أنها تركت ورائها شعبا لم يكن أصلا بمستوى تلك الحضارة وكأنه لا ينتمي أليها بأية صلة !!، ومن المفيد أن اذكر هنا ما قاله الملك فيصل الأول رحمه الله بداية تأسيس الدولة العراقية وهو يخاطب أبنه المرحوم غازي ويصف له الشعب العراقي ( أعتقد والأسى يملأ قلبي بأنه لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خالية من أية فكرة وطنية تؤمن بتقاليد وأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة ميالون للسوء ميالون للفوضى ، مستعدون دائما للأنقضاض على اية حكومة كانت فهدفنا والحالة هذه أن نجعل من هذه الكتل شعبا بعد أن نهذبه وندربه ونعلمه.). ولا ندري هل أن الظروف لم تسعف الملك الراحل ولا الحكومات التي جاءت بعده من تهذيب الشعب العراقي وتدريبه وتعليمه أم ان الشعب هو نفسه ميال لرفض كل ما هو متحضر ومتمدن!.والشيء المحزن هو أننا لا زلنا نعيش على تلك الأمجاد والأيام الخوالي ونتذكرها ونذكرها بمناسبة وبدون مناسبة! بالوقت الذي لم نخطو فيه خطوة الى الأمام لنزيل بها تراكمات كل ذلك الماضي وتراب القرون المظلمة حتى أصبحت المسافة كبيرة وأزدادت الهوة بيننا وبين كل دول العالم .وأستمر كل الحكام ورجال السياسة الى حد يومنا هذا بتذكير العراقيين بأنهم أهل الحضارات في الوقت الذي هم يساهمون بتدمير الشعب وتمزيقه وقتل أية ميزة طيبة فيه أو بارقة أمل للنهوض به من جديد!! من خلال سياستهم اللاأنسانية معه. ولا ندري ما سر هذا التباهي بتلك الحضارة وذلك التاريخ بالوقت الذي نعيش فيه حاضرا مأساويا ومدمرا!!؟. فعلى سبيل المثال ، أن الأمريكان والأنكليز والفرنسيين والكثير من دول العالم لا تمتلك ذلك الأرث الحضاري والتاريخي الذي نملكه ولكنهم أستطاعوا ان يبنوا دولهم وبلدانهم وشعوبهم حتى عقد لهم لواء التقدم والحضارة والرقي وصرنا نتسابق للألتحاق بجامعاتهم وكلياتهم لننهل منها من شتى علوم المعرفة ولنتعلم منهم أيضا أسس الحياة الصحيحة كما وأننا لم نشعرمرة بأن كل الحكومات التي حكمت العراق قد أهتمت بتلك الحضارة وأثارها بما تستحق و بشكل يجعل من الشعب حريص عليها. ومن الجديرأن نذكر هنا: ( أن بعض رموز النظام السابق سرقوا الكثير من تلك الأثار وهربوها الى الخارج وتم بيعها في مزادات لندن وأمريكا واوربا! كما سرقت أكثر من 16 ألف!! قطعة أثرية من المتحف بعد أن تم أقتحامه من قبل الغوغاء بمباركة القوات الأمريكية!! أثناء أحتلالها بغداد عام 2003 ). وما مر في العراق بتاريخه الحديث منذ تاسيس الدولة العراقية ولحد الآن من احداث عكست وبشكل واضح مدى أبتعادنا وعدم أنتمائنا لتلك الحضارة و تأثرنا بقيمها العريقة!! فذاكرة العراقيين تختزن ومع الأسف الكثير من الصور والذكريات المرعبة لأحداث وقعت بالعراق ومنها أحداث فرهود اليهود عام 1948، والطريقة البشعة التي صفيت بها العائلة المالكة بعد ثورة تموز 1958 ، وما جرى من قتل بشع ومروع وخاصة للوصي عبد الأله ونوري السعيد وابنه صباح، ثم أحداث الموصل وكركوك الدموية عام 1959 ، ثم الطريقة التي تمت فيها تصفية زعيم الثورة عبد الكريم قاسم بقتله ورميه في دجله ، وآخر الأحداث هو ما جرى ويجري الآن بعد سقوط النظام السابق حيث دمرت كل دوائر الدولة ومؤسساتها وحرقت وتم تخريب كل شيء أضافة الى حالات النهب والسلب واللأختطاف والقتل العشوائي والتصفيات الجسدية وهذه حدثت قبل أن يبدأ مسلسل الأرهاب في العراق ليجهز على ما تبقى للعراق من بنى تحتية هي أصلا تعمل بالكاد وخاصة الماء والكهرباء. صحيح ان الأمريكان قد فسحوا المجال للنهب والسرقة ولكن العراقيين هم من نفذوا وكانهم أناس غرباء عن البلد لا ينتمون أليه ولا الى تاريخه وحضارته وتصرفوا بكل وحشية وبربرية !.فالأمريكان عملوا نفس الشيء في أفغانستان البلد الفقير بعد أحتلاله بعد اسقاط نظام طلبان ولكن لم ينقل لنا الأعلام العالمي حدوث أعمال سلب ونهب وقتل كالذي حدث في العراق! ولا نعتقد أن هناك أي مجال للمقارنة بين الشعبين وتاريخهم الحضاري أو بالأحرى ليس هناك أي وجه مقارنة أو تشابه بين العراق وأفغانستان سوى كون غالبية الشعبين هم من المسلمين. ولكن تجلى الفرق واضحا بين الحدثين في عمق الأيمان والألتزام بأخلاق الدين الأسلامي والأنتماء الحقيقي وحب الوطن!!.ومن الخطأ ان نعلق كل أخطائنا وتصرفاتنا تلك بأنها تأتي أنعكاسا لسياسة وأخلاقية النظام السابق والأنظمة التي سبقته كما نعلق الآن الكثير من أخطائنا وتصرفاتنا على شماعة الحكومة والأمريكان ! فالعيب الكبير فينا أولا! والأكثر ألما في المشهد بأن كل أعمال السلب والنهب والسرقة لم تقتصر على الفئات الفقيرة والمستضعفة وغير المثقفة بل انها تعدت الى كبارالمسؤولين من وزراء ومدراء عامون وموظفين كبار.وما فضائح الفساد المالي والأداري التي نخرت جسم الدولة بكل مؤسساتها والتي نسمع بها يوميا ومنذ 11 عاما ولحد الآن !! ألا دليل على ذلك. نقول أخيرا: هل يعقل أن شعبا يمتلك كل هذا التاريخ الحضاري وكل هذا التراث الزاخر بالمجد والرقي وبأنه الشعب الذي قدم الحرف وكل علوم المعرفة للعالم يتصرف بهذه السلوكية!؟! فعلينا أن ننظر الى واقعنا المؤلم ونحاول أن نبني أنفسنا من جديد حتى نلحق بركب العالم المتمدن ولنؤسس مستقبلا آمنا لأجيالنا ( فليس الفتى من قال كان ابي بل الفتى من قال ها أنذا). بعد كل ذلك لنسأل أنفسنا : هل حقا اننا شعب الحضارات ؟ وأذا كنا كذلك حقا لماذا أذا لا نتعامل ونتصرف بشيء من التحضر والأخلاق مع بعضنا البعض.
مقالات اخرى للكاتب