التفجيرات المستمرة في العراق منذ عشر سنوات تثير العديد من الاستفسرات والاسئلة، ليس حول الجهات التي تنفذ او تقف وراء هذه الجرائم، فهذه الجهات واهدافها معروفة ومشخصة، بل انها تعلن عن نفسها بفرح وبسعادة غامرة بعد نجاح كل عملية اجرامية كبيرة تهز الوجدان الشعبي العراقي عندما يصمت المسؤلين المنشغلين بترتيب امورهم الشخصية وكان الامر لا يعنيهم. بل ان هذه الجهات مثل دولة العراق الاسلامية تعلن ايضا عن بعض الجرائم الصغيرة التي قد لا تعلن عنها الحكومة، لذلك تصبح العبارة السخيفة التي ترددها الجهات الامنية بتحميل القاعدة مسؤلية العمل الاجرامي الجبان، او العبارة المضحكة التي تقول ان التفجير يحمل لمسات القاعدة، لا معنى لها.
الشعب العراقي مثلما يعرف من يقتله، القاعدة والزمر الوهابية وعصابات البعث، يعرف كذلك من يسرقه ويعرف من هو الفاسد والكذاب والدجال، ويعرف ايضا ان لولا الفساد وعدم الكفاءة، وهما المَعلمان الرئيسيان لحقبة ما بعد الاطاحة بصدام، لما استطاع الارهاب تمويل وتنفيذ اجندته الاجرامية، فالارهاب ليس ممول من دول اقليمية فقط، بل ايضا ممول من اموال الفساد البالغة مليارات الدولارات، ان هؤلاء الارهابيين يقتلون العراقيين بالمال العراقي ويستغلون بلادة المسئولين في ايقاع اكبر عدد من الضحايا.
الاسئلة التي تثيرها عمليات الاجرام المستمرة لسنين طويلة والتي حصدت الافا من الضحايا وسببت خسائر فادحة تدور حول السر وراء عدم قدرة الحكومة وكل فعالياتها على وضع حد لهذه العمليات وفشلها المتكرر في القبض على رؤسها الكبيرة وسوقهم الى محاكمات علنية شفافة.
ورغم ان هذه العمليات الاجرامية تجري بنفس الاسلوب وبنفس الطريقة وتوضع المفخخات بنفس الاماكن، ومع ان الحكومة ومنذ ثمان سنوات تقريبا هي نفسها، لكنها لم تكتسب خبرة ولا تجربة ولم تبتدع اسلوبا ناجحا يقل او يحد من علميات القتل العلني هذا. اذ ان كل الرؤوس الكبيرة مثل طارق الهاشمي وعدنان الدليمي وناصر الجنابي واسعد المشهداني وغيرهم قد اغمضت الحكومة عنهم وسهلت لهم الهروب والفرار، ان ذلك يعني ان الحكومة لا تود الدخول في ازمة قد تضعفها او تثير حنق شركائها في العملية السياسة او تضعها تحت ضغوط تجبرها على التنازل تحتفظ دائما بخط رجعة يمكنها المناورة لعقد صفقات الصلح تحت شعار المصالحة الوطنية كما فعلت مع مشعان الجبوري المحكوم في قضايا ارهابية والخارج من جميع الاحكام مثلما تخرج الشعرة من العجين.
لقد تركزت كل الخطط الامنية التي تعلنها الحكومة على زيادة سيطرات التفتيش وزيادة اعداد الجنود واعداد الشرطة، لكن لا توجد اساليب مبتكرة او متطورة لا على صعيد الخبرات ولا على صعيد التقنية ولا على صعيد كشف الاختراقات في المراكز الحساسة، حتى فضيحة اجرامية مثل فضيحة اجهزة الكشف عن المتفجرات والتي تسببت في قتل الاف مؤلفة من العراقيين، تم السكوت عنها وانهت كل خيوطها عند رجل واحد هو جهاد الجابري اودع السجن بينما تداعى له سياسيون وكتاب يبكون مظلوميته وبرائته مما نسب اليه، ولا زالت الحكومة وبكل استغباء تستخدم الاجهزة المزيفة للكشف المتفجرات، رغم ان موردها رجل الاعمال البريطاني جيمس ماكورميك حكم في 2 آيار 2013، بالسجن عشرة أعوام بعد إدانته، من قبل المحكمة البريطانية، ببيع أجهزة مزيفة للكشف عن المتفجرات إلى العراق..
يقول المثل الحمار يتعلم بالتكرار، فهو يعرف الطريق ومنعطفاته حتى في ظلام الليل لمجرد المسير لمرة واحد، انها غريزته الاستكشافية، اما المسئولين عن مواجهة الارهاب، فلم يتعلموا ولو القدر اليسير رغم انقضاء وقت طويل على تبوئهم لهذه المراكز الحساسة. على الارجح انهم يفتقدون المؤهلات العقلية التي تمكنهم من انجاز مسؤولياتهم بشكل مقبول.
مقالات اخرى للكاتب