بالعودة إلى تأريخ شبه الجزيرة العربية وامتداداتها ، فإن العراق العربي الذي ورد ذكره في أدب ما قبل الإسلام وفي رسائل النبي محمد والخلفاء الراشدين وخلفاء الدولة الأموية إلى ولاتهم على الحواضر العربية في شمال الجزيرة العربية ، فإن العراق العربي فقط هو الأرض الممتدة بين الكوفة شمالا والبصرة جنوبا.
أما العراق الحديث فإن بريطانيا التي مكنتها معاهدة " سايكس ـــ بيكو " 1916 من إحتلال مناطق نفوذ الدولة العثمانية المنهارة ، فإن خبراء الحكومة البريطانية عادوا إلى المسمى الإغريقي للأراضي بين نهري دجلة والفرات وضفافهما شرقا وغربا المعروفة بمسمى ) ميزوبوتيميا ـــ Mesopotamia ) ووضعوا الحدود التي أطرت تلك الرقعة الجغرافية ليكون العراق الحديث. فالعراق الحديث من صنع بريطانيا. والعراق الأصل هو الرقعة الجغرافية بين الكوفة والبصرة.
وتاريخيا عندما بويع الإمام على بن أبي طالب بالخلافة سنة 35 هـ (656 م) رابع الخلفاء الراشدين في "المدينة المنورة " ورث وضعا سياسيا مضطربا أثر مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان في تلك السنة ، فإنقسمت القبائل العربية بين مؤيد لخلافة علي ومعارض لها ، الأمر الذي جعل عليا أن يقرر نقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة لرأب الصدع بين القبائل العربية الموالية والمعارضة والحيلولة دون إقتتالها . وعلى مدى خمس سنوات من حكمه إنتقلت القبائل العربية الموالية إلى العراق . لذا فالعراق العربي قبل 1916 هو الرقعة الجغرافية بين الكوفة والبصرة .
هذه المقدمة ممهدة للحديث عن الذين يطالبون بمزيد من الشرذمة بأقاليم أو حتى بالتقسيم بعد 2003 على أسس طائفية مقيتة . ولم يعد خافيا أن إحتلال بهائم قطعان داعش يَسَّرَهُ وباركه وتحالف معه " شيوخ " عدد غير قليل من عشائر نينوى و الأنبار وصلاح الدين . وتحت خيمة داعش إرتكبت عدة مجازر بدوافع طائفية ، ولعل مجزرة " سبايكر " تمثل البرهان الأوضح على تورط العشائر المتحالفة مع داعش وفلول البعث في الوضع القائم الذي تسبب بمآسي بضعة ملايين من العراقيين المهجرين من المناطق التي لا تزال ترزح تحت غمّة الرايات السوداء واللحى النتنة . وبعد مضي أكثر من 15 عشر شهرا في تلك المناطق أدرك شيوخ العشائر المتحالفة مع داعش أن القوات المسلحة العراقية بمسمياتها وفصائلها وبإسناد العشائر المؤازرة ستطهّر أرضهم إن عاجلا أو آجلا ، فأدرك الجانحون قصيرو النظر أنهم الأخسرون ، فصاروا يطالبون بإقليم المكون الطائفي أو حتى التقسيم .
الخلاصة أن أكرر ما كنت قد كتبته من قبل : العراق بلد عربي والعراقيون سواء أكانوا سنة أو شيعة ، مسيحيون أو صابئة أو أي مكون عرقي أو ديني ، دون نكران حق الكرد العراقيين في تقرير مصيرهم .
العراق بلد ينطوي على تداخل و امتدادات جغرافية لسكانه بأطيافهم الدينية والمذهبية والعرقية يستحيل فصلها ، ذلك الواقع يؤسس لإستحالة تقسيمه ، كما كتب العشرات من الساسة الأمريكيين وغيرهم من "السيناريوهات" الساذجة . فإن أختار أنفار من العراقيين من هذا المكون أو ذاك التقسيم مأخوذون بالحمية الطائفية ، فإنه الإنتحار المؤكد ، إذ سيبقى العراقيون يقتتلون إلى إلى ما شاء الله . وستكون المحافظات جنوب بغداد ، وفق "سيناريوهات" التقسيم سواء أقاليم فدرالية ، أو "كُنفدرالية ، أو انفصالية ، مهيأة لتأسيس إقليم أو دولة من مكون طائفي يأخذ اسم العراق العربي بحماية إيرانية . ويجب أن لا ننسى أن في وسط وجنوب العراق ما قد يصل إل 15% من المخزون العالمي للنفط.
وإن من الحقائق التي برهنها التأريخ أن العراق لن يستقر ولن يأمن دون حكومة مدنية من التكنوقراط تحكم بدستور شعاره " الدين لله والوطن للجميع ". وأن أرضه فيها من الخيرات ما يمكن أن توفر العيش الكريم لمائة مليون إنسان.
مقالات اخرى للكاتب