إن من غير المقبول أن يبقى سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي و عملات الدول الرأسمالية الصناعية والدول العربية المجاورة يعد بالآلاف . فالنقود الورقية العراقية من فئات الدينار أعلاها يبدأ بأربعة أصفار لورقة الخمسين ألفاً... إلى 250 دينار أدناها .
واقع تداول الدينار بفئاته الحالية مُرْبِكٌ مُعَوِّق للأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدمية كافة . فعلى صعيد السوق العراقية فإن واقع سعر صرف الدينار في تقييم عمليات التبادل التجاري ، جملة ومفرد ، أبعد ما يكون عن الدقة ، وكذلك في تقييم قطاع العقار بيعاً وشراءً وتأجيراً ، و التسهيلات المصرفية ، وأي تداول يُقَيَّم بالعملة. فأي صفقة بمبالغ كبيرة بين طرفيها تحتاج إلى تعبئة فئات من الدينار بأكياس لتبادلها بين البائع والمشتري .ويمكن رؤية مشاهد أناس يحملون أكياسا من الدينار داخلين إلى المصارف أو محال الصرافة أو خارجين منها.
وتأكد أن واقع الدينار العراقي وضئالة قيمة فئاته الشرائية مُحَفِّزٌ لجرائم تزوير العملة . ففي الدول التي يتماثل سعر صرف عملاتها مع العملة العراقية مبتلات بتزوير العملة ، وما للعملة المزورة من آثار مدمرة على جملة مكونات الاقتصاد الكلي لأي دولة .
و للدينار العراقي المتداول حاليا بأصفاره و ضئالة قيمة صرفه دور مهم في إرتفاع أسعار السلع والخدمات وتصاعد نسب التضخم. إذ أن الصفقات في تجارة الجملة تستثني الفئات ذات القيمة الصغيرة من الدينار . فإضافة بضعة آلاف دينار لصفقة بضاعة إستهلاكية أو معمرة ، وتداولها من منفذ تسويق لآخر وإلى يد المستهلك فإن سعر السلعة يتضخم تواليا بعدد منافذ تسويقها. والسبب هو ضئالة القوة الشرائية لفئات الدينار الصغيرة التي يتم استبعادها عند تقييم سعر أي سلعة.
في 27 آب 2015 نشرت (وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية) في موقعه على شبكة الإنترنيت مقالا مهما تضمن الإشارة إلى " أن الحكومة العراقية قد تلجأ إلى تحرير الدينار أي ( تعويمه) وهو أمر لن يحل المشكلة المالية في البلاد، بل سيكون له آثار كارثية على المواطن العراقي بالدرجة الأولى. ومن جهة أخرى فان التعويم هو منفذ للمضاربين في السوق للقيام بعمليات غسيل الأموال والتلاعب بمزادات العملة داخل البنك المركزي. تعويم العملة Floating يعني ترك سعر صرف عملة ما عائم يرتفع وينخفض وبتناسب عكسي مع حالتي الطلب والعرض في الأسواق . والأخذ بالاعتبار مستوى تحرر اقتصادها الوطني، وكفاية أدائه، ومرونة جهازها الإنتاجي. ومن مخاطر هذه العملية بأنها تفتح الباب أمام عمليات غسيل الأموال وتحويل أموال الفاسدين من الدينار العراقي إلى العملات الحرة من أجل تهريبها للخارج" .
فبقاء القوة الشرائية للدينار العراقي ضعيفة متأرجحة في الداخل وغير معتمدة في الخارج مع استشراء الفساد المالي فإن تحويل الدينار إلى عملات أخرى تُهرّب إلى الخارج يتسبب بارتفاع التضخم . إذ أن إبقاء كميات كبيرة من الدينار داخل السوق العراقية تعني تضخم السيولة الأمر الذي يسهل خروج المزيد من العملات الأجنبية من البلاد .
الحل ليس بحذف أصفار الدينار أو تعويمه ، وإنما بإحلال دينار عراقي جديد وربط سعر صرفه بالدولار الأمريكي . أي يتم إستصدار دينار عراقي جديد يعادل الدولار في سعر صرفه .ويتكون الدينار الواحد من مائة فلس وفئاته : دينار واحد ، وخمسة دنانير وعشرة دنانير ، وعشرون دينار ، و خمسون دينارا ، ومائة دينار. وسك نقود معدنية من فلس ، وخمسة فلوس ، وعشرة فلوس ، وعشرين فلسا ، وخمسين فلسا ، ومائة فلس. وبذلك ضمان لإستقرار النظام النقدي والقضاء على الخلل في النظام الحالي الذي أتاح إستشراء الفساد .
وكما تم إلغاء عملة النظام السابق بعد 2003 وإحلال الدينار المتداول حاليا ، يتم إلغاء الحالي خلال فترة زمنية وإحلال الدينار الجديد.
ومن الأهمية أن يستعين البنك المركزي العراقي بخبراء من "مجلس الإحتياطي الإتحادي " الأمريكي ( البنك المركزي ) في تطوير النظام النقدي العراقي بعملة تتمتع بثقة صرف عالية محليا ودوليا.
وتلعب البنوك المركزية دورا كبيرا في التحكم بالأدوات المالية في كل دول العالم، فأهم أداة في يد البنك المركزي هي السياسة النقدية، فمن خلال زيادة السيولة النقدية ( Liquidity) يمكن تحفيز الاقتصاد للخروج من حالة أزمة اقتصادية، أو لمساعدة الاقتصاد على النمو من خلال تشجيع الصادرات، الحد من التضخم
أما ربط عملة الدينار العراقي بالدولار الأمريكي يعني تثبيت سعر عملة الدينار بسعر صرف ثابت (fixed exchange-rate) والكثير من دول العالم تعتمد هذه الممارسة . فهناك 17 دولة في العالم ربطت عملتها بالدولار الأمريكي . ومنها 6 دول عربية وهي السعودية والأردن وسلطنة عمان ، والإمارات والبحرين وقطر.
ولربط الدينار العراقي بالدولار له مزايا عدة أهمها سهولة إدارة سياسة معدل الصرف بين عملة الدولة وباقي عملات العالم كافة، حيث تحدد السلطات النقدية معدلا محددا لصرف الدينار بالدولار، الذي من خلاله تتحدد علاقة الدينار بباقي العملات، فيرتفع بالنسبة لهذه العملات مع ارتفاع الدولار وينخفض مع انخفاضه.من جانب آخر فإن الربط بالدولار يساعد نسبيا على حماية الاقتصاد الوطني من التضخم
كذلك يساعد الربط في حالة الدول النفطية على استقرار إيراداتها بالعملة المحلية عند انخفاض قيمة الدولار. فبفرض ثبات سعر النفط فإن انخفاض قيمة الدولار عالميا لا يؤدي إلى انخفاض الإيرادات النفطية للعراق بالدينار.
وسيكون إصدار دينار عراقي جديد وسيلة لكشف الفساد إذ يتطلب إستبدال العملة المتداولة حاليا بالعملة الجديدة . وفي ذلك فضح لمن أكتنز المليارات و المليارات من الدينار العراقي الحالي ويتصرف به في إطار النظام النقدي الضعيف المسيّس والأبعد ما يكون عن الشفافية . كما يمكن أن يضع البنك المركزي العراقي والمصارف التجارية أمام تعامل قد يفضح أي تجاوزات لغسيل الأموال وتهريب العملة الصعبى للخارج.
أن السبب الرئيسي وراء ربط الدينار بالدولار هي المحافظة على استقراره وزيادة الثقة التعامل به ، كما أن المحافظة على سعر صرف ثابت للدينار سيقضي على ما يسمى بسوق العلة الموازية ( السوق السوداء) . وذلك يعزز ثقة المستثمرين بالنظام النقدي وباستقرار والحفاظ على القوة الشرائية للمستهلكين من ذوي الدخل المحدود .
مقالات اخرى للكاتب