لم يبق من ممثلي أحزاب السلطة من لم يشدْ بالتظاهرات واهدافها الاصلاحية ومشروعيتها, حتى بعضهم ممن انتقد التظاهرات او ممن رمى المتظاهرين باتهامات مجانية بالارتباط بسفارات او خدمة اجندات علمانية ضد انجازات الاسلاميين, خفف من حدّة انتقاده ونبرة خطابه.
وبينما نحن نترقب على احر من الجمر تنفيذ حُزم الاصلاحات التي اعلنها رئيس الوزراء وصدور اوامر القبض على الفاسدين وتقديمهم للعدالة, نشهد بأم العين محاولات التراجع عنها اوالالتفاف عليها اوالافلات منها بحجج مختلفة منها تناقضها مع الدستور او تقاطعها مع الاستحقاقات الانتخابية والحقوق الشرعية التحاصصية.
كما يبدوالتناقض فاضحاً بين اقرارهم الكاذب للحق الدستوري بالتظاهر وحق التعبير عن الرأي للافراد والجماعات وبين ردود افعالهم الهستيرية عند نقل هذه الحقوق من مجرد سطور على الورق الى افعال ملموسة, بترجمتها على ارض الواقع بتظاهرات او اعتصامات, بمقال صحفي او بيت شعر او حتى هتاف.
فتأييدهم المزعوم, من جانب, لحق المواطن بالتظاهر والتعبير عن رأيه, وكلاهما من الحقوق الدستورية بل من واجبات المواطن الدستورية ايضاً لتقويم اعوجاج الحكام, يترافق مع شنهم, من جانب آخر, حملات اعتقال للناشطين المدنيين واخضاعهم للتعذيب ليتبرؤا من نصرة شعبهم. هذا غير تعرض ناشطين آخرين لعمليات اغتيال غادرة من قبل ميليشيات ارهابية تابعة لرؤوس الفساد من مافيا الدولة التي تضررت من بعض الاجراءات الاصلاحية الهامشية التي تحققت بفعل الضغط الشعبي.
اصابع الاتهام في اختطاف الناشطين تشير الى جهات امنية استخباراتية بعينها. فولاءات هذه الاجهزة القائمة على اساس المحاصصة الطائفية- العرقية يجعلها تمارس هذه السلوكيات اللاشرعية الموروثة من خزين الاجهزة القمعية لنظام البعث البائد, بأعتبارها جزء من عقيدة الفكر الواحد والقائد الأوحد. وذات الأتهام موصول الى ميليشيات تابعة لاحزاب متنفذة ضالعة بالفساد, تمالأها اجهزة الدولة الامنية او تخشاها. في الوقت التي تقف به هذه الجهات عاجزة عن صد اختراقات امنية مريعة لارهابيي الدولة الاسلامية داعش, يدفع فواتيرها المواطنون من دمائهم في الاسواق والمدارس.
اما وان اختطاف المتظاهرين اصبح تقليداً بوليسياً شائعاً لدى هذه القوى فأن الأصرار الشعبي على انتزاع حقوق ابناء شعبنا, اصبح يغيظ رؤوس الفساد, وقد تجعلها تفقد اعصابها وترتكب حماقة على مستوى عالي. وقد بدأ صبرها ينفذ... فالاخبار المتواترة على وسائل الاعلام, تشير الى تعرض رئيس الوزراء حيدر العبادي لمحاولتي اغتيال, اضافة الى شكواه العلنية من تآمر اشخاص من الدائرة المحيطة به للتخلص منه, بعدما حاز على قبول شعبي واسع ودعم كبير من المرجعية الدينية العليا في النجف لضرب الفساد. وأن امكانية ذهابهم الى حد الشروع بعمل غبي, بقمع الحركة الشعبية وارداً وينبغي اخذه على محمل الجد في التعامل مع تعقيدات الوضع السياسي العام ومعطياته الآنية.
ان صراع الارادات الدائرة بين الارادة الشعبية التواقة للتغيير والحياة الكريمة وبين ارادة احزاب الفساد المتنفذة بتأبيد نهبها الاجرامي لثروات البلاد ومقدرات شعبها يبدو محتدماً. ورغم مايظهر عليه ميزان عناصر القوة من ميل الى قوى الفساد لحيازتها الثروة والميليشيات والنفوذ السياسي في اجهزة الدولة الا ان عناصر القوة لدى القوى الشعبية, ليست هينة وتتنامى بسرعة, لاسيما بعد تجريدها للطغمة الحاكمة من عنصر قدسيتها الدينية وتخلي المرجعية عن دعمها. ولا شك ان الاجماع الوطني على ادانة سنوات حكم احزاب الفساد المتحاصصة ونبذ تقسيماتها الطائفية, احدى اهم عناصر قوة القوى الشعبية, اضافة الى تجذّر النزوع الشعبي نحو الأصلاح الحقيقي والاصرارعلى تحقيق مطالبها بعد كسر حاجز الخوف الذي كرسته اعوام الأقتتال الطائفي المقيتة. ان وجود هامش قانوني فرضته ترتيبات تشكيل الدولة بعد 2003 , بأيجاد ضوابط مصطنعة للعلاقة بين مكونات المحاصصة, يستوجب علينا استلال جانبها الايجابي المتعلق بالاعتراف بالتعددية مثلاً لصالح الدفع بعملية التغيير. فأزمة النظام منه وبه, وينبغي على القوى الشعبية استثمارنقاط ضعفه لأنجاح مشروعها النهضوي بشكل امثل رغم ما تكتنف حقولها من الغام.
أن اغتيال او اختطاف الناشطين المدنيين من اجل التغيير, سيلهب الحماس اكثر وسيصلب العناد الشعبي لنيل الحقوق وليس احباطه, لاسيما بعد ان تحول شهداء الانتفاضة المغدورين وأولهم هادي المهدي والمختطفين من سجناء الرأي كجلال الشحماني الى رموز شعبية في بلد يدّعي قادته تطبيق الديمقراطية.
احدهم توهم احتضار الانتفاضة الشعبية.
- " كيف لبركان استيقظ ان يبتلع حممه ؟!!*
* احلام مستغانمي/ الأسود يليق بك
مقالات اخرى للكاتب