ان دولة العراق عبارة عن مزيج من مكونات مختلفة في القومية و الدين و الطائفة و هكذا اراد لها القوى العظمى منذ تأسيسها استجابة لمصالحها و لتكون قنبلة موقوتة يمكن تفجيرها او على الاقل التلاعب بها في أي وقت يناسب هذه القوى الدولية ايضاً و ان المكون السني قد تمسك بزمام الامور خلال العقود الماضية بمباركة عدد من الدول العربية و الاجنبية لتنفيذ جزء من مخططاتها دون ان يلقي هذه الدول بالاً بما يعانيه المكون الكوردي و الشيعي من مأسي و تشريد و تهجير و فعل المكون السني بما يحلو له في سبيل السلطة , و ان مشاركة الاخرين لم تكن حتى بالاسم و في عام (2003) بدأت الشمس السنية تغيب وتختفي جزئياً لتبدأ الشروق بيوم المكون الكوردي و الشيعي الشريكين في معاناة الماضي المرير و لكل منهم مواطن القوة فالاول يمتلك اقليماً فدرالياً (شبه دولة) بحكم الواقع يديرها برلمان و حكومة و مؤسسات قضائية و موارد اقتصادية بات مركزاً للاستقطاب الدولي و دوره الفعال في صنع القرار السياسي العراقي و الثاني هم الاغلبية المحرومة سابقاً والمدعومة اقليمياً فمهما اختلفوا في رؤاهم فيجمعهم وحدة الموقف من السنة بدعم المرجعية الدينية التي تنتهي بتدخل دولة ايران لرص صفوفهم اما المكون السني الذي اصابه الذهول بعدما فقد ما كان بيده من القوة و السلطة الكاملة ليتحول الى مشاركة صورية بمنَّة الاخرين مع افتقاره الى المرجعية (دينية – سياسية – عشائرية) يمكن ان يلملم جراحهم و يرص صفوفهم او حتى التقليل من مصابهم الجلل و حثهم على الصبر و لكن لم يكتف الامر بهذا بل دخل في متاهات و انفاق مظلمة يكاد الخروج منه صعباً حيث يتأرجح بين سياسي محير بين التبعية او الاتهام بالارهاب و الفساد لتنتهي به الامر وراء القضبان او الفرار خارج حدود و رجل دين متهم بالتحريض على العنف و قيادة المظاهرات و الاعتصامات ليجد نفسه بين انقاض العمالة و شيخ عشيرة متمسك بالقيم النبيلة و لكن من غير قوة يتمنى الوصول الى اصحاب الكراسي و المناصب ليدافع عن ربعه المتهم سلفاً بالارهاب و بين شعب منسيٍ في وطنه غريباً على أرضه لايجد رمق حياته وحتى على انفاسه محاسباً و مهاجراً و نازحاً متنظراً ما يقدم له من المأكل و المشرب ، اذن الفرقة و الاختلاف كانتا سمة المكون السني خلال السنوات الماضية يقابله وحدة الموقف و القرار للمكون الكوردي و الشيعي و لكن هذه الوحدة لم تعد صامدة امام المصالح الذاتية و الحزبية داخل المكون الواحد فالبيت الشيعي لم يعد كما كان بل بات التناحر وروح المؤامرة تجري في عروقهم و الاتهام بالتقصير و الفساد مشاهد شبه يومية و بدأو منقسمين على انفسهم في جبهات متعددة و اصبح الوحدة الشيعية حلماً مر عليه الزمن و قد اندثر جدرانه و تصدع املاً ان تلعب المرجعية دورها كما فعلت مراراً و تكراراً ...
اما المكون الكوردي فان فايروس السنة قد اصابهم ايضاً بعدما كانوا صفاً واحداً كالبنبان المرصوص في قائمة واحدة يشد بعضهم بعضاً فبدأت المواقف المتخذة منهم حيال القضايا المتعددة تختلف بين مؤيد و معارض و العزف على الاوتار الحزبية الضيقة تضرب لتسمع صداها من بعيد و ان المسؤول الكوردي متهم امام بني قومه قبل غيره و اصبحت مواقفه هشه و محل استخفاف من قبل غيرهم و يمكن القول بأن بغداد باتت مكاناً لتصفية الحسابات و الخلافات الحزبية الكوردستانية بعدما كان قوة صدى الصوت الكوردي مسموعاً في كل جانب وأن الاحداث الأخيرة الجارية في البرلمان العراقي من استجواب الوزراء وخاصة السيد هشيار الزيبارى وزير المالية تدل على صحة ما أشرنا اليه .
و هذا يعني بأن الفايروس السني قادر على الاختراق و السؤال المطروح ؟ هل هذه التفرقة هي جزء من الحياة السياسية و مرحلة من مراحلها ام بداية لعراق سيبنى على اسس جديدة معترفاً بعدم صواب الاسس السابقة من التوافق السياسي و الديمقراطية التوافقية و قد يكون بداية النهاية لدولة اسمها العراق منتهياً بالتقسيم اذا لزم الامر و ان كل المكونات ترغب ذلك مع الاحتفاظ بروحه الوطني و الخوف من لوم الاجيال السابقة ...
و يبدو ان الفايروس السني بالاختلاف كان الاساس و القاعدة و المراحل السابقة تمثل استثناءً و وحدة مرحلية فرضها الواقع المرير و القوى الخارجية و هل ستتدخل نفس القوى لتلعب دورها بوحدة صفوف مكونات العراق بالترغيب و الترهيب ام ان ما يعانيه تصب في مصلحتهم و هذا ما سيكتشفه الايام القادمة .
مقالات اخرى للكاتب