أخفاقات وكالة الإستخبارات المركزية
وصف تقرير الإيهام بالغرق المكثف، الصادر من لجنة الاستخبارات في الكونغرس مطلع شهر ديسمبر 2014، بأنه "سلسلة من وقائع الاقتراب من الغرق" وأشار إلى أن المزيد من السجناء تعرّضوا للإيهام بالغرق أكثر من الثلاثة الذين اعترفت بهم الوكالة في الماضي. ووصف التقرير أيضاً تعرّض المتهمين للحرمان من النوم لمدة تصل إلى أسبوع، كما تعرّضوا "للتغذية الشرجية" وللتهديد بالقتل. ووصف أحد الضباط السريين ظروف أحد السجون بأنها "محصّنة" ووصف الأساليب القاسية بأنها تؤدي إلى "مشاكل نفسية وسلوكية، من بينها الهلوسة، وجنون الارتياب، والأرق، ومجاولات إيذاء النفس وتشويه الذات".
لقد استخدمت وكالة ال "سي اي اية" أساليب استجواب ابرزها الإيهام بالغرق، للفترة 2002 و 2008وكشف تقرير صدر حديثاً من قِبَل لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أن الوكالة ضللت البيت الأبيض والكونجرس بشأن البرنامج بشكل روتيني. وسبق ان وقع اوباما بعد فترة وجيزة من تأدية اليمين الرئاسي على قرارات بإغلاق المعتقل في خليج غوانتانامو، وإنهاء السجون السرية وحظر أساليب الضغط البدني التي لا تزال تستخدم من قِبَل محققي وكالة الاستخبارات المركزية في الخارج. ان اساليب الاستجواب ممكن وصفها بارهاب سياسي وارهاب دولة فاقت التعذيب الجسدي للمعتقليين. هذه الخطوات جميعها جائت محاولة من اوباما لاعادة رسم وجه الولايات المتحدة في الخارج اكثر من اعادة رسم إستراتيجيات اميركا الجديدة القائمة على الحوار ومهادنة الخصوم وتقليص ميزانية الانفاق العسكري.
استطاعت الوكالة المركزية الى كسب ودعم ادارة جورج بوش الابن وحصلت على دعم قانوني صادر من رئيس مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل، يعطي وكالة الاستخبارات المركزية سلطة لاستخدام أساليب الاستجواب القاسية. اما سياسة الوكالة المركزية امام الكونغرس، فقد كانت تتهرب من تقديم الاجابات حول استفسارات الكونغرس. اي ان جورج بوش قام بتسييس الوكالة لصالح البيت الابيض
والمعروفين انذاك بالصقور. وقامت وكالة الاستخبارات المركزية بتسريب بعض تحققيقاتها الصلبة عن المعتقليين ابرزهم خالد الشيخ وابو زبيدة بهدف كسب الراي العام، الذي كان انذاك يعيش تداعيات احداث 11 سبتمبر واوصلت رسالة تفيد بان هذه الاساليب هي التي اوصلتهم الى اعتقال قيادات القاعدة.
ردود فعل الوكالة
وفي رد فعل لذلك التقرير أنشأ مسؤولون سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" اواخر شهر ديسمبر 2014 موقعا الكترونيا يدعى "CIA save lives.com" ( السي آي ايه انقذت ارواحا) للرد على حملة الانتقادات العنيفة التي طاولتهم اثر نشر مجلس الشيوخ تقريرا وثق اساليب التعذيب التي اعتمدتها الوكالة لسنوات في استجواب مشبوهين في قضايا ارهابية اعتقلتهم في سجون سرية.
الوصول الى بن لادن
ان استخدام الوكالة للاسليب القاسية في التحقيق ومنها الايهام بالغرق واستخدام الكهرباء من شانه ان ينتزع اعترفات بعض قيادات القاعدة من الخط الاول والتي اوصلتهم الى بن لادن. التحقيقات ذكرت بان الشخص المرسال الذي كان وسيلة الاتصال بين بن لادن والتنظيم هو من ساهم بالقبض على بن لادن. لكن رغم ذلك فان المعلومات التي حصلت عليها "سي أي إيه" حول بن لادن أو أحمد الكويتي، الذي يوصف بمرسال بن لادن والذي قاد إلى مخبأه، ربما جاءت بعد ايقاف استخدام الوكالة لأساليب الاستجواب "الوحشية" مع المعتقلين. وقال التقرير إن "الوكالة استطاعت الحصول على معلومات قيمة ودقيقة حول أبو أحمد الكويتي، وهو مرسال بن لادن، دون استخدام أي من أساليب برنامج الاستجواب، حيث كان مصدر المعلومات أحد المعتقلين الذي لم يكن تعرض لبرنامج الاستجواب، فيما قام المعتقلين الذين تعرضوا للبرنامج بحجب وفبركة بعض المعلومات بشأن الكويتي".
حاول اوباما منذ الايام الاولى لتسلم منصبه عام 2008 بتغيير صورة وكالة الاستخبارات المركزية وبالفعل هو من اعاد اوراق الوكالة واصلاحها في جملة تغيرات في قياداتها وقرب بينها وبين البنتاغون.
صورة "ال سي اي اية" تبقى معروفة بعملياتها القذرة والسرية المغطاة لتغيير مصير شعوب ودول وهي تفتخر بذلك. ورغم نجاح اوباما من اعادة الوكالة الى مكانتها الحقيقية، فهي اصبحت معروفة باخفاقاتها الاستخبارية كثيرا مقارنة مع استخبارات عالمية اخرى ابرزها الالمانية التي كان لها دورا في تبادل الاسرى على سبيل المثال مابين حزب الله واسرائيل والتحقيق في مقتل الحريري وغيرها من الملفات امام تراجع الوكالة المركزية.
سجون سرية في بولندا
اقر رئيس بولندا السابق الكسندر كواسنيفسكي لاول مرة مطلع شهر ديسمبر 2014 ان وكالة الاستخبارات المركزية "سي اي ايه "اقامت سجنا سريا في بلاده، وذلك عشية نشر مجلس الشيوخ الاميركي لتقرير يقول ان السي اي ايه استخدمت التعذيب في التحقيق مع المشتبه بانهم من تنظيم القاعدة. وقال كواسنيفسكي انه عندما كان رئيسا مارس الضغط على الولايات المتحدة لانهاء عمليات التحقيق الوحشية التي كانت تمارسها "السي اي ايه" في سجن سري اقيم في بولندا في 2003.
وصرح للاعلام المحلي "قلت 'للرئيس الاميركي السابق جورج دبليو' بوش ان هذا التعاون يجب ان ينتهي، وقد انتهى". وذكرت تقارير اعلامية سابقة ان "السي اي ايه" اقامت سجونا سرية في كل من افغانستان وليتوانيا وبولندا ورومانيا وتايلاندا. اما عمليات الترحيل السرية فهنالك عشرات من الدول ابرزها الباكستان كانت متورطة في ذلك وبعض من دول الاتحاد الاوربي ومنطقة الشرق الاوسط، الذي يسمح باستجواب مطلوبيين على اراضيها وترحلهم سرا، وكثيرا ما عرفت هذه الاجرائات استخباريا "بالبقع السوداء".
الكونغرس يصدر قانونا لحماية موظفي الوكالة
ولمواجهة مخاطر سؤ استخدام الوكالة وسياسياتها، أقر الكونغرس الاميركي قانونا في شهر يونيو 2014 يمنع اتخاذ اي اجراء انتقامي بحق موظفي وكالات الاستخبارات الذين يبلغون الجهات المختصة في الحكومة او الكونغرس عن اية تجاوزات او ممارسات غير مشروعة تحصل في وكالاتهم. ويمنع الفصل السادس من هذا القانون معاقبة او طرد او خفض رتبة اي موظف يبلغ رئيسه او المفتش العام في وكالته (سي آي ايه، ان اس ايه) او المدير الوطني للاستخبارات او اعضاء لجان الاستخبارات البرلمانية، عن اي مخالفة تحصل في وكالته من مثل انتهاك للقوانين الفدرالية او استخدام للاموال خلافا للقانون او اي عمل من شأنه تعريض الجمهور للخطر.
تمدد نشاط الوكالة على حساب البنتاغون
ذكرت صحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر في 3 نوفمبر 2014 ان "خدمة الدفاع السرية"التابعة لوزارة الدفاع والتي ارادت من خلالها تركيز اولويات التجسس بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية، تقلصت الى النصف تقريبا بعد ان اعرب مشرعون عن قلقهم بشأن كلفتها ومهامها. وكان البنتاغون اعلن قبل اكثر من سنتين عزمه على استحداث "خدمة الدفاع السرية"تحت مظلة وكالة استخبارات الدفاع، التي تسعى، بعد عشر سنوات من التركيز على مناطق الحرب مثل العراق وافغانستان، الى الاهتمام بمسائل اخرى تهم الامن الوطني، وان تعمل بشكل وثيق مع وكالة الاستخبارات المركزية، مستعينة بالعناصر الموجودة والسلطات والاموال المتوفرة لتعقب التهديدات الناشئة. ولكن واشنطن بوست قالت ان هيئة استخبارات الدفاع لن تقوم بتدريب سوى 500 ضابط سري على الاكثر، اي نصف ما كان مخططا له. وتتضمن الاقتطاعات ايضا تقليص برامج التدريب وتوجيه المشاركين نحو ادوار تقليدية ضمن وكالة استخبارات الدفاع.
أكدت وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون بأن محاربة التنظيمات القاعدية ستظل المهمة الرئيسية في السنوات القادمة، وحذرت من محاولة مقاتلي الجماعات "الجهادية" شن هجمات جديدة في أفغانستان، في حين قال محامي وزارة الدفاع الأميركية، إن الحرب ضد القاعدة لا ينبغي النظر إليها على أنها صراع بلا نهاية. كما أعلن برينان رئيس وكالة الإستحبارات المركزية الاميركية في وقت سابق، ان ادارة باراك اوباما ترى ان مهمة تصفية شبكة التنظيمات القاعدية بصورة تامة، التي تنص عليها الإستراتيجية الامريكية الوطنية لمكافحة الارهاب، لا تفرض على واشنطن شن حرب شاملة.
ويمثل العراق ربما نموذجا سيء الى الإدارة الأمريكية في طريقة الانسحاب من أفغانستان وكأنها نفضت يدها للمرة الثانية في افغانستان بعد العراق. ان ما حدث في العراق يعكس إستراتيجية أوباما في إبرام شراكات مع الحكومات الأجنبية من أجل محاربة الجماعات المسلحة بدلا من الالتزام بتخصيص قوات كبيرة بالخارج، سياسة وإستراجية اوباما تمثل خيبة امل لشعوب المنطقة خاصة في سوريا والعراق، كونها لاتمثل مصالح المنطقة بقدر ماترتبط بظروف وعوامل خاصة للمصالح الاميركية اكثر من دول المنطقة.
*باحث في قضايا الارهاب والاستخبار
مقالات اخرى للكاتب