كان لنا أستاذ يردد دائما : "سعيد مَن إكتفى بغيره" , خصوصا عندما ينجز له أحدهم عملا ما.
وكان فيلسوفا في رؤاه.
وأحيانا يستخدم العبارة للإشارة إلى أوضاعنا وأحوالنا بصورة عامة.
فعندما يحتدم النقاش حول ما يجري , لا يشاركنا , وإنما يطلق حسرةً ويقول: "سعيدٌ مَن إكتفى بغيره"!
وما كان يقوله يلخص ما جرى ويجري وسيجري في منطقتنا.
فهناك أهداف كبيرة تحققت وستتحقق , لقوى ذات أطماع وإرادات ومصالح , وما كلفتها شيئا بالقياس إلى ما غنمته وأنجزته.
إذ تمكنت من إيجاد وتوظيف طاقات وقدرات تحقق أهدافها الكبرى , وبإندفاع وتواصل ووثوب , لا يمكنها أن تمتلكه , وفي ذلك إنجاز خارق وربح لا يقدر بثمن.
فالملاحظ أن المنطقة بأسرها تجري بأقصى سرعتها , وما فيها من الإمكانات نحو وديان الإندثار , وتحقيق ما لا يمكن لأية قوة أن تحققه.
فما أسعد الذين وجدوا أن ما يريدونه يتحقق وهم في مواضعهم آمنين.
أظنهم سيتصورونها إرادة ربانية , ومؤازرة كونية , وطاقات خفية تأتيهم بأحلامهم وطموحاتهم على موائد من ذهب.
فلم يحصل في تأريخ الصراعات , أن تتحول مجموعة بشرية بكل ما فيها وعندها , إلى قوة مسخرة لتحقيق أهداف غيرها وبقوة لا تضاهى.
لم يحصل أن تحول المجتمع إلى حالة مناهضة لوجوده وتواصله.
فينشطر وينقسم , ويكون موجودات متقاتلة , متصارعة , متناقضة تريد محق وجودها بأسره.
إن ما يجري , عبارة عن مسيرة إنتحارية , نحو هاوية الفناء الحضاري, وبملئ إرادتنا ووعينا , وجهدنا ومثابرتنا للقضاء على وجودنا أجمعين!
وسعيدٌ , ألف مرةٍ ومرةٍ , مَن إكتفى بغيره , فهل يرعوي المغفلون؟!
مقالات اخرى للكاتب