المؤسسة العراقية للتنمية والتطوير
لا يختلف اثنان على ان الجامعات من أهم أدوات التطور والتحديث في المجتمع ولكن دورها في الدول النامية لا زال مقتصرا بدرجة كبيرة على تأهيل موارد بشرية لأشغال الوظائف العامة ومهارات كثيرة الأخرى غير مرغوبة وبأسلوب تقليدي يقوم على المحاضرات النظرية وتعتمد على التلقين واجترار المعلومات دون الاهتمام بالعمل الجماعي وتطبيق المعارف دون ادني اهتمام بمستجدات سوق العمل وهي بذلك تهدر العمل العام وتضيع على بلدانها فرص اللحاق بالدول المتطورة . وقد نتساءل هنا عما اذا كانت الجامعات في البلدان النامية تعطي أهمية رئيسية لتدريب المهارات التي يحتاجها السوق او انها لا زالت تؤكد على العلوم الطبيعية الأساسية وعلوم اجتماعية وتاريخية وأدبية وفلسفية ولم نكن نريد ان نطعن في ضرورة تدريس هذه التخصصات فهي ضرورية للارتقاء بالوسط الجامعي إلى وسط الإبداع والاختلاف وخدمة المعرفة ولا اعتقد ان أحدا يريد تهميش العلوم الإنسانية والاجتماعية لان لهذه العلوم دور ومكانة في بناء المشروع الاجتماعي الذي نسعى لبنائه لكن الن يكون من المجدي ان يمارس قدر من التميز الايجابي بما يراعي حاجة المجتمع والتنمية ؟ لقد ادى هذا الأسلوب التقليدي وعوامل اخرى عديدة منها فقر الإمكانيات المادية والعلمية للمنافسة مما يتطلب منها التفكير الجدي في كيفية الإجابة للتحديات التي تفرضها المنافسة والسوق . لكن كيف يمكن للجامعة من درء هذه المشاكل لتصبح مؤسسة لتكون كوادر تلاءم عصر اقتصاد المعرفة المدعوم بتكنولوجيا المعلومات وتمتلك مهارات وظيفية وفنية وإنتاجية وإشرافية واحترافية ؟ وبمعنى أخر كيف يمكن الارتقاء بمستوى أداء الجامعة وان تصبح الجامعة المحلية بمستوى الجامعات العالمية ؟ لذا فان الحياة الالكترونية أمر مطلوب لكنه يحتاج الى رؤية متكاملة تشمل كافة جوانب نشاطات مؤسسات التعليم العالي والجودة وضمانها او الجودة الشاملة تعرفها وكالة ضمان الجودة بالتعليم العالي في المملكة المتحدة باعتبارها أسلوب لوصف جميع الأنظمة والموارد والمعلومات المستخدمة من قبل الجامعات ومعاهد التعليم العالي للحفاظ على مستوى المعايير والجودة وتحسينها . ولقد أدركت كثير من الدول في العقد الأخير من أهمية النقد الأخذ بمعايير الجودة في جميع مؤسسات لتعليم العالي من اجل تحقيق هذا الهدف حيث قامت هذه الدول بإنشاء هيئات او وكالات مستقلة للتقويم والاعتماد الأكاديمي يكون من ابرز مهامها مساعدة الجامعات في تطوير وتحسين الجودة وكمثال على هذه الهيئات في الوطن العربي الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي في المملكة العربية السعودية التي تقوم بتنفيذ عمليات التقويم والاعتماد بالتعاون مع خبراء دوليين ويطرح دونا لد أيكونك في تقرير اليونسكو حول جودة التعليم العالي الصادر في عام 2003 رأيا آخر حول الأسباب فيعزوا ذلك الى التوسع الكمي الهائل في أعداد مؤسسات التعليم العالي وزيادة الطلب الاجتماعي وخصوصا في الدول النامية مما تطلب الأمر في إعادة النظر في التعليم الجامعي برمته من حيث هياكله وإدارته وتنظيمه كذلك الى افتقار المؤسسات التعليمية الى التمويل وكذلك الى بروز ظاهرة العولمة التي جسدت تغيرا جوهريا في تنظيم مسار الحياة الاقتصادية المعاصرة وأصبح إنتاج المعارف سلعة ضرورية في مجتمع المعرفة .
ماذا يجب ان نفعل حاليا لضمان الجودة في العراق ؟ يجب ان نعترف أولا ما هو الصالح للدول المتطورة وما هو مطبق حاليا فيها قد لا يكون ملائما في الوضع الحالي للتعليم العالي في الجامعات العراقية ولأننا لا نريد نظاما لضمان جودة غير متوفرة حاليا ولان ما هو موجود يحتاج الى تحسين قبل ضمانها فإننا مدعوون أولا الى دراسة وضع الجامعات وحال البرامج الأكاديمية ومقارنتها بمثيلاتها في دول الجوار والدول الأكاديمية .
لذا لابد من ضرورة ملائمة نظام تحديد الجودة مع معطيات التطور وان يأخذ بنظر الاعتبار مجموعة من الأحداث والعوامل الداخلية والخارجية ذات الصلة بتحقيق الجودة وتحسينها (المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق , اربيل 2007 ) إلا إن رب سائل يسأل ما هي متطلبات الجودة التي قد لا يمكن حاليا قياسها او اعتمادها في العراق فنقول انها عديدة كتحديد التوجه الستراتيجي وطريقة القيادة ومستوى القيادات الجامعية وتخطيط وإدارة الموارد البشرية ونظم العمل لعدم وجود معايير مقبولة لقياسها او لانها من مسؤولية الوزارة او لكونها مشتركة او متشابه في كل الجامعات الا انه ومع ذلك توجد مجموعة كبيرة من المتطلبات تصلح لقياس مستوى الجودة في العراق حاليا فنأخذ على سبيل المثال :1- الجوانب الأساسية للتعليم كالمناهج والأهداف وطرق تحقيقها والتقييم للنتائج ( نسب النجاح )
2- طرق التدريس والخدمات كالمكتبة ومرافق تكنولوجيا المعلومات وأنشطة التدريب للتدريسيين والطلاب .
3- توجيه الطلبة ورعايتهم ونسبة حضورهم للمحاضرات والمختبرات
4- نسبة عدد الطلاب الى عدد الأساتذة ذو الشهادات والدرجات العلمية المختلفة .
5- معدل عدد البحوث ومستواها لكل تدريسي .
6- معدل مساحة القاعات التدريسية والمختبرات لكل طالب .
7- نسبة عدد أجهزة الكمبيوتر وعدد الكتب في المكتبة لكل طالب .
8- مستوى تأثيث القاعات والمختبرات
9- معدل مساحة مختبرات البحث لكل تدريسي
ولا يجب ان تتوفر هذه المعلومات للمقارنة فقط ولمعرفة مستوى الجودة بل انه لابد من استخدامها لتكون أساسا للتطوير والرقي بالمؤسسة التعليمية فمعلومات الجودة ليست بفرض العقوبات والتثبيط بل لمكافئة وتشجيع الأكاديميين والإداريين وقادة الجامعة على بذل العطاء للبناء والموارد البشرية وتأكيد النوعية وحسم المشاكل العالقة لان التحسين هو سباق مستمر وهدفه تحقيق الأهداف التربوية والعلمية للمؤسسة وتلبية حاجة المجتمع والسوق .
وهنا يمكن القول ان هذا النظام في دول العالم لا يقتصر تطبيقه في المنظمة التعليمية الجامعية بل وفي جميع المراحل التدريسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية وان تطبيق نظام إدارة الجودة يتطلب في خطة التدريس ان تكون العملية التعليمية ضمن معايير دولية دقيقة وشاملة لجميع الفعاليات وضمن ظروف عملية تشمل على قاعات وغرف دراسية ومكاتب للهيئة التدريسية ومختبرات وأقسام داخلية أمنه من أية مخاطر صحية ومهنييه وبيئية كما يجب ان تعزز الخدمات المساندة لعملية التعليم ولا تتداخل معها فلابد ان نشير الى ان المنظمة التعليمية تأخذ بنظر الاعتبار الأهمية القصوى في بيئة التعليم والظروف المناسبة لبيئات التعليم بكل دقة خارج نطاق المنظمة وداخلها ووفق المعايير والمحددات العلمية لهذا النطاق .