قد يكون العنوان مستغربا بعض الشيء وهو فعلا كذلك فكيف لدولة ما قائمة على الارض بحدود كبيرة ولها حضارة وتاريخ ومتجذرة في التاريخ وعدد نفوسها تجاوز (35)مليون نسمة ولها دستور وعلم وتمارس الديمقراطية بأروع صورها في كل اربعة اعوام وقد تكون هي الوحيدة في المنطقة" اذا ماكنت مخطا" ولها من الخيرات ما يغني اكثر من بلدا , خارجة من دمار شامل ,وحروب وعنتريات ,وتحتاج ما تحتاجه لا إعادة مكانتها واعمار ما دمرته الحماقات المتكررة لسلاطين الحكم الذين تعاقبوا على حكمة بالحديد والنار, .
فكيف لهذا البلد ان ينهض اوقل ليستمر بالبقاء ودولته بلا ميزانية " موازنة "ونحن في النصف الاخير من العام حقا انة شيء عجيبا ومن حق القارئ البعيد ان لا يصدق كلامي هذا؟ فقد يذهب القارئ الى البعيد فيظن مخطا انها من الدول الافريقية مثلا او دولا اخرى مواردها شحيحة؟ لكن سرعان ما يعلم صدق كلامي عندما يعرف انة العراق"بلد البترول" ذلك البلد العجيب الذي هو فعلا بلد العجائب السبع او حتى العشر.. فهو بلدا المتناقضات وبلدا الصراعات وضجيج الدبابات واصوات الطائرات التي لا تفارقه وكأنهم معشوقين لا يفارق احدهم الاخر؟ , وكانه هذا البلد قد نسي انه ذلك الشيخ الكبير ذو التاريخ العتيد واول من علم الناس الكتابة وسن القوانيين وصلت حضارته الى كل اصقاع العالم وارضة بلد السواد وعلى ترابة بنيت اكبر واعظم الحضارات واقدسها واعرقها هذا البلد الموغل بالقدم لقد وضع الله فيها من الخيرات مالم يضعها في بلدا اخر, فهل اصبح عجوزا مريضا لا سامح الله؟
إن اي بلد من البلدان العالم ينشد التطور وتسيير المرافق العامة وهيئاته ومؤسساته لابد له من موازنة مخطط لها سلفا ومقرة كي تستطيع الانفاق على مشاريعها وتقديم الخدمات لأبنائها فهي تضعها من اولى اولوياتها وتدخلها حيز التنفيذ ضمن مواعيد تحددها دساتير تلكم الدول الا اننا في العراق كأننا لا نركب في سفينة تلكم الدول. فماهي تلك الميزانية؟ ولماذا لم تقر الى الان؟ ومن المسؤول؟
على الرغم من كوني لست متخصصا في الامور الاقتصادية لكنني اعلم اليسير منها؟ الميزانية إنها السياسة الاقتصادية والاجتماعية السنوية للدولة، .
الميزانية العامة ليست فقط عملاً فنياً بل إنها أيضاً وبصورة خاصة أداة تؤثر بشدة سلباً وإيجاباً على القطاعات الاقتصادية والشرائح الاجتماعية.
ولكي تقدم الدولة خدماتها لمواطنيها لابد من وجود ميزانيه للبلد قادرة على تلبية متطلبات مواطنيها, تراعي التزايد السكاني . لقد نص الدستور العراقي على ان نظام الحكم نيابي وشكل الدولة اتحادي، ويترتب على ذلك بالطبع تغييرات جوهرية في مختلف الميادين خاصة المالية العامة التي أصبحت تنظم بميزانية اتحادية وميزانيات محلية مستقلة.
وتشير الفقرة الرابعة من المادة 78 إلى صلاحية مجلس الوزراء في "إعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية".. وتحضير مشروع الميزانية العامة من قبل مجلس الوزراء متعارف عليه في جميع البلدان لأنه الجهة المنفذة للميزانية لذلك يصبح من الطبيعي أن يتولى مهمة تحضير الإيرادات والنفقات العامة. وتتطلب عملية التحضير بيانات كثيرة لا تتوفر إلا لدى الوزارات.
ان موضوعة الميزانية هي من اكثر الامور تثير الحساسية لدى الجميع والاكثر تعقيدا في المشهد السياسي العراقي وهي احد الاسباب الرئيسية في غياب التوافق السياسي بل هي تفرق الكتل السياسية اكثر مما تجمعها عندما يجري الحديث عن سياسة البلد فتراها اولى المواضيع التي تطرح على طاولة الحوار, ان مشكلة عدم اقرار الموازنة هي ليست وليدة الساعة بل اصبحت "ظاهرة ففي كل عام يحدث ذلك التأخير حتى اصبح من الطبيعي ان لا تقر الميزانية في اول العام , وهذا ما لمسناة في الاعوام السابقة ولم يعد الامر مستغربا , لكن سرعان ما يتم الاتفاق عليها والكل يتقاسم الكعكة وينتهي الامر بإقرارها بما فيها من حسنات او مساوى، وينتهي الجدل بهذا الموضوع ويغلق ليفتح النار مجددا في العام المقبل . الان المتتبع لهذا العام يقول ان الوضع مختلف بعض الشيء لوجود مستحدثات منها واهما قانون النفط والغاز وما تريدة كردستان(المعرقل الكبير للميزانية) من زيادة لحصتها في الموازنة وما فعلته من تصدير لنفطها دون مشاورة المركز فضلا عن ما اثير مؤخرا من رفض المركز صرف رواتب البيشمركة (التي لا تأتمر بأمر المركز)علاوة على ذلك لم يعد الكرد المعرقل الوحيد بل اصبحت عدة معرقلات قد يكون منها هو شخص رئيس الحكومة الذي اصبح مثار جدل كبير وسجال وجدال بين الكتل السياسية الحاكمة للعراق الجديد ,اليوم ونحن تجاوزنا النصف الاخير من العام ودولتنا بلا ميزانية تسير بها امرها وتنظم شؤونها في بلدا خرج من دمار شامل على مدى اكثر من ثلاثة عقود عشنا فيها على مضض ,
ان تأخير الميزانية لا يؤثر على قطاع دون غيرة بل بات يؤثر على كل القطاعات ويشل الحياة ويدخل في كل التفاصيل الصغيرة منها والكبيرة اذا ما علمنا ان البلد بدء بحملة اعمار واسعة وكبيرة ويواجه حربا ضروسا لا هوادة لها وقد توقف كل هذا بسبب "الميزانية. حتى وصل تأثيرها الى الشارع والمنزل والمدرسة والمستشفى ....عندما لم يأتي عامل النظافة ليرفع القمامة التي اصبحت تعلوا في بعض المنازل وترك الشارع دون تعبيد وتوقف العمل بالجسر الكبير ولم يكمل المقاول المتنزه الوحيد وغادر الاطباء مشافيهم وسقط جدار المدرسة وقد تسقط المدرسة ايضا!, نعم كل هذا واكثر مرتبط بهذة الميزانية؟
ممالاشك فية ان اقرار الموازنة العامة من شأنه ان يسهل ويسرع في انجاز المشاريع العمرانية والخدمية بشكل عام وان تأخيرها يؤدي في مقابل ذلك الى نتائج عكسية. اننا لسنا بصدد تحميل المسؤولية بقدر ما نطرح تساؤلات عن اسباب الاخفاق في اقرار تلك الميزانية
فالبرلمان يحمل الحكومة مسؤولية التأخير والحكومة تدعي العكس واصبحنا نحن العامة لانعرف من المسؤول هل البرلمان يدعي ان الحكومة لم ترسل الموازنة في وقتها المحدد حتى ندرسها ونضع فيها تصورنا فالبرلمان هو الذي انتج هذه الحكومة وكان طوال 4سنوات يقبع في البروج العاجية ويشرع القوانيين حسب ما يتمناه لا حسب ما تنماه المواطن الذي انتخبه؟ كما حدث في اقرارهم رواتبهم التقاعدية والامتيازات التي منحوها لا انفسهم والتي رفضها المواطن وخرج في مظاهرات واسعة شملت جميع محافظات البلد .
اما الحكومة فأنها تقول قد ارسلت قانون الموازنة الى البرلمان وهم من عطل الميزانية في عدم توافقهم لا اقرارها حتى لايحسب النجاح للحكومة التي تدعي انها مقيدة بتوافقات كتلها السياسية حتى اعلن صراحة رئيس الحكومة انة غير قادر على محاسبة وزير في حكومته لأنه يأتمر بأمر كتلة السياسية وليس بأمر رئيس الوزراء؟
"اذن من المسؤول ؟ فهل نستطيع القول ان كلاهما اخفق في اداء مهامه !نعم جميعا مقصرون؟ وعليهما تحمل تبعات ما جرى ما سيجرى، الامر الذي أدى إلى تعطيل المشاريع الاستثمارية وهروب عدد من المستثمرين الأجانب بسبب غياب الاستقرار السياسي والأمني في البلاد اذا ما علمنا ان ميزانية البلد متعمدة كليا على النفط واي انخفاض بسعرة او تخفيض في عدد الانتاج سوف يدخلنا في متاهات كبيرة وحسابات وسوف نخسر ما بنيناه .ولم نكمل المشاريع المخطط لها, وسوف لن نترك للمستقبل سواء الدمار والخراب وسوف تلعننا الاجيال القادمة
ان "المجهود العسكري الذي نراه اليوم جليا في المشهد العراقي سوف يستنزف الاقتصاد العراقي المعتمد كليا على النفط، ويحتاج الاسراع بإقرار الميزانية حتى تستطع الحكومة بسط الامن كذلك امرا هام اخر هويقلل من فرض النمو الاقتصادي"، مبينا ان "حصة الامن والدفاع من الموازنة العامة تصل الى قرابة 20 ٪-;- على حساب التنمية الاقتصادية"
،ويقول احد النواب إن عدم إقرار الميزانية يسبب خسارة مالية للعراق تبلغ 13 مليار دولار شهريا.
فقد يضيف البعض مسببا اخر لا يقل خطوة من المسببين الرئيسين "الحكومة والبرلمان" الا وهو "الدستور الذي على خلاف دساتير كثيرة لم يتناول في حالة عدم استطاعة مجلس النواب التصويت على مشروع الميزانية في الموعد المحدد لسبب أو لآخر، هل يتعين على الحكومة تنفيذه دون الموافقة النيابية كما هو الحال في فرنسا والمغرب، أم الاستمرار في تنفيذ الميزانية القديمة المنتهية لحين اعتماد مشروع الميزانية الجديدة كما هو الوضع في إسبانيا ومصر وسوريا، أم يطلب مجلس الوزراء من مجلس النواب الموافقة على ميزانية شهرية لحين التصويت على مشروع الميزانية السنوية كما هو متبع في إيطاليا,
ان الدستور لم يكمن حازما في هذا الموضوع عندما ترك الباب مفتوحا على مصراعيه ولم يحدد الفترة التي يتم فيها مناقشة واقرار الميزانية فضلا عن عدم الكشف لما يجري فيما لو لم تقر الميزانية فهنالك دولا كمصر مثلا ادرجت في دستورها فترة زمنية محددة لا إقرار ميزانيتها.
وانا من جانبي اضيف مسؤولية اخرى واحمل المواطن الذي لم يحسن الاختيار في الانتخاب فالبرلمانيون والحكوميون الذين خذلونا بعدم اقرارهم موازنة البلد كافئهم البعض في اعادتهم الى اماكنهم البرلمانية او الحكومية عندما اعدنا انتخابهم مرة اخرى ولعلمنا بفشلهم مع وجود رأى ومبرر يمنع انتخاب السراق والفاشلون مرة اخرى؟
فلماذا العجب اذن؟ في حالة العراق يبقى التساؤل مطروحا دونما اجابة اذا كان الكل يبرى نفسة ويلقي اللوم على الاخر,والنتيجة دولتنا بلا ميزانية .ومشاريعنا معطلة وامالنا مؤجلة لحين اقرارها..فمن نحمل المسؤولية! وما هو الشجاع الذي يقول انا اتحملها..!!
مقالات اخرى للكاتب