في اوائل الستينات من القرن الماضي اعتقلت اربعة من اصدقائي وعلى وفق المادة (43 جمعيات ) . وامضينا اياماً صعبة في معتقل ( شرطة ابو صخير ) . ومع ان الكثير من افراد الشرطة من اهل مدينتنا الا ان التهمة ( سياسية ) كانت تخيف المنتسبين من الشرطة ، مما اضطرهم الى معاملتنا وفقاً للقانون . وهذا الامر صعب جداً على فتيان اكبرهم لم يتجاوز العشرين من عمره . حاول اباؤنا كثيراً التخفيف عنا ، الا ان افراد الشرطة لم يلبوا ولم يستجيبوا الرجاءات اهلنا والى عروض الرشوة التي قدمت لهم . فنحن في نظرهم اعداء النظام الجمهوري الجديد . ومسامحتنا او تخفيف شروط الاعتقال معناه انهم – اي الشرطة – من اعداء النظام ايضاً . وفي يوم من الايام زارنا في المعتقل قريب لنا يسكن بغداد ، وجاء ومع هدايا كثيرة ، من بينها علبة كبيرة مليئة بسائل غليظ ( ثخين ) اثار استغرابنا لاننا لم نر مثله من قبل . وحين سالنا قريبنا عن اسمه وكيف نستعمله ، قال لنا انه ( الراشي ) ثم طلب من احدنا ( تمرة ) فادخلها وسط العلبة ، ثم اخرجها واعطاها لاحدنا ليتذوقها ، وسأله عن طعمها . فكانت االاجابة انه لذيذ جداً جداً فطلبنا من قريبنا ان يجلب معه ( الراشي ) في كل مرة يجيء لزيارتنا فوعدنا خيراً ووفى بوعده ! عاده ، ما كانت تجري مجاملات بين الشرطي الـخافر على حماية الموقوفين في السجن وبين الزلاء ! وعلى هذا عرض احدنا ( تميرات ) حب عليهن الراشي فقد مهن الى الشرطي الخافر . فاعجب بهذه ( الاكلة ) ايماً اعجاب . وكانت المفاجأة في اليوم التالي ، حيث طلب منا امر الحرس ان نعطيه التمر و ( الراشي ) ففعلنا . وتكررت الحالة مع الاخرين . وكسبنا ود افراد الشرطة ، وبدات حياة الرفاهية من يوم وصلنا ( الراشي ) . حتى اننا كنا نذهب الى الامتحانات في الثانوية برفقة شرطي او شرطيين ، وكان المفروض ان يجلسوا بباب المدرسة لاعادتنا الى ( الموقف ) بعد اداء الامتحان . ولكن فعل الراشي ( اقنع ) الحراس بالذهاب الى مقهى قريب او احيانا الى بيوتهم . وكل ما علينا فعله بعد ان ننتهى من الامتحان ان نذهب الى المقهى او الى بيوتهم ليالخذونا بعد ذلك الى ( الموقف ) . وكان بعضنا يذهب الى بيته ، ويمر عليه الشرطي بعد ان يقارب الدوام الرسمي على نهايته لياخذه الى المركز حيث يوجد ( الموقف ) ! وكان ( الراشي ) مفتاح هذه العلاقة الودية مع افراد الشرطة . وقد اطلق احدنا شعاراً جديداً ظل متداولاً لسنوات في مركز ( شرطة ابو صخير ) وهذا الشعار المعروف ( الشرطة في خدمة الشعب )!!
مقالات اخرى للكاتب