تجتاح العاصمة بغداد، وعدد من المدن العراقية الأخرى، موجة من السيارات المفخّخة والأحزمة الناسفة. يسقط جراء ذلك العشرات بين قتيل وجريح مؤهل للموت، وآخر مؤهل لاستكمال حياته بإعاقة دائمة. يخرج علينا مجموعة من القادة الأمنيين، والمقربين منهم ومن السيد رئيس الوزراء، بتصريحات تفيد باستتباب الوضع الأمني. العشرات من الكتّاب يلعنون الإرهاب والحكومة بشكل يومي. المواطنون، من جهتهم، يشتمون ويسبّون أيضاً. سيارات النقل العمومي تؤدي مهامها بنشاط، إلا أنها تخرج المزيد من الدخان الأسود الذي يطيح بأيّ جهود للحفاظ على نظافة الرئتين. سياسيون يتنقلون بين المحطّات الفضائية، وكل واحد منهم يلعن صاحبه. نساء ثكالى. آباء يبكون. أطفال يتامى. أرامل. مستشفيات تستقبل المزيد من الجرحى. الوضع التقني لمستشفياتنا بتحسن ملحوظ، ولكننا نتعاقد مع الهنود لنقص كوادرنا الطبية. الشيعة الغاضبون يشتمون السنة. والسنة الغاضبون يشتمون الشيعة. الأكراد نالهم حظ وفير من المفخخات بنهار واحد. العجيب، كما يعتقد مواطنون من أهل الله، أن الإرهاب استهدف أبرز معاقل الأكراد: الأمن!. بالنسبة للمحللين: لا عجب في الأمر. الشوارع مليئة بالناس. وجوههم تعبى. رؤوسهم مطرقة باستمرار. صخب، وضجيج في السنك. لو دخلت سيارة مفخخة إلى هنا لأردت العشرات بطرفة عين. قل الأمر نفسه عن العشرات من المواقع المشابهة في بغداد. لا تقلق.. الجماعة يعرفون أهدافهم بدقّة. بدقّة؟ نعم، وأفضل من دقّة القوات الأمنية. وعلى ذكر القوات الأمنية، هل مازالت عمليات ثأر الشهداء مستمرة؟ لم يجب القائد العام للقوات المسلحة عن سؤال: هل هي عمليات ثأر الشيعة من السنة؟ عدنا لنفس القوانة. كل الطرق تؤدي إلى الشيعة والسنة. أنت طائفي وإن لم تنتم. يسألني: وأنت؟ مثلك طبعاً. لم يكن هذا قصدي، كنت أقصد: لماذا تستمرّ السيارات المفخّخة بتسويد عيشتنا بالرغم من عمليات ثأر الشهداء؟ أنت ناصب علينا؟. في المقهى كهلان يلعبان الطاولي. أحدهما لم يحلق لحيته منذ فترة. يمرّ بائع السمك وهو يدفع عربته التي تتساقط قطرات ماء، من حوضها، مختطّة لنفسها طريقاً. أكثر الشوارع مغلقة. عادة ما تغلق الشوارع في بغداد. وعادة ما تضطرّ للتوقف في الشارع ساعات. المشوار الذي يمكنك أن تقضيه بعشرة دقائق صار يكلف ساعتين. السيطرات مقرفة. لا تفعل شيئاً غير إثارة الناس. الجنود، غير النظيفين، يلهون بالهواتف النقالة، أو مراقبة العدد النادر من النساء في الشوارع. عنق الزجاجة. هل سمعتم بهذا المصطلح؟ إذهب وفتّش عن معناه. لا... المجانين في ازدياد ولكنك لم تنتبه. مع ذلك تقلّ الدور، أو المستشفيات، المخصّصة لهم. عندما شاهدت فيلم "عمارة يعقوبيان" أول مرة نويت أن أشاهده مرة ثانية، وهو ما حصل. الرجل الشاذ، الذي لعبه الممثل....، آه.. نسيت أسمه.... كان رائعاً. صارت ظاهرة صور المعمّمين في الشوارع مثيرة للقرف. بإمكان أيّ معمّم أن يطبع مئات الآلاف من صوره ثم يقوم الصبيان من أتباعه بلصقها في الشوارع والساحات العامة وعلى جدران المدارس. المدارس خربت، ولم يكن ذلك بسبب خضير الخزاعي. لا تهتمّ كثيراً، الحياة تمشي. كم أمبير لديك؟ يقولون أن الكاظمية والأعظمية فقط سيتم استثناءهما من القطع المبرمج. محاصصة طائفية. أرجوك لا تزرع هذه العبوة هنا، ازرعها في الشارع الآخر، أطفالي عادة ما يلعبون هنا. حسن جداً.. لست وحدك. زهقت. ملل. كيف يمكن أن أهرب؟ هل هنالك طريقة مضمونة للوصول إلى بلجيكا أو أستراليا؟ يقولون أن الطالباني ميت منذ زمان. لا تثق بالمالكي. وهل تعتقد أن النجيفي أفضل منه؟ أين المرحاض؟ بغداد بلا صالات للسينما، ولا قاعات للعرض المسرحي، ولا حدائق.. بغداد بحاجة إلى الكثير. أنت تعبان. لا تسكر الليلة. لا.. الأفضل أن تسكر، الليلة، وكل ليلة. اللعنة!
