من مفاخر الامم والبادان انها تمتلك احصائيات عن كل شي ، وتستطيع تنظيم كل شي ورسم مستقبل كل شي ، ولكننا لا نمتلك احصائيات دقيقة عن اشياء كثيرة في العراق ، واهمها احصائية بعدد سكان العراق ونحن نلج باب الانتخابات بعد ايام ، وذلك لا يعني اننا لا نجيد الاحصاء والدليل على ذلك اننا نحصي جيدا اعداد الضحايا من ابنائنا الابرياء الذين يسقطون كل يوم بنيران الارهاب ، ونحصي عدد الجرحى ،وساعات انقطاع الكهرباء ، وعدد الساعات التي نقضيها في الازدحامات وعند نقاط السيطرة ، وعدد الايام التي مرت من اعمارنا .نعم نعرف ان نحصي ، لاننا متعلمون يجب علينا ان نحصي ايضا غير المتعلمين ، فاعداد الاميين تأخذ بالازدياد يوما بعد اخر ، دون ان نكتشف اننا بعد سنوات ربما سنحصل على مجتمع نصفه لا يقرأ ولا يكتب ، ونصفه الاخر يحمل شهادات الماجستير والدكتوراه ، سواء المزور والحقيقي ، فالتناقض اصبح لازمة لحياتنا في كل شيء .كنا قبل اكثر من ثلاثين عاما قد قضينا على شبح الامية ، وتصورنا اننا بعد عشرين عاما سنحصل على شعب مثقف لا نجد فيه من لا يتقن القراءة والكتابة ، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن ، فالحروب والحصار والاحتلال البغيض اجبر مئات الالاف من العراقيين على ترك مقاعد الدراسة وزج ابنائهم في العمل من الصغر لكسب لقمة العيش ، فيما كنا نمتلك ثروات يمكن ان تفتح مدارس في كل انحاء الارض واقطارها وتقضي على الامية في الهند والسند وما وراء البحار .قبل فترة اعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الالكسو" ان "البيانات الاحصائية حول واقع الأمية في الدول العربية يشير إلى أن عدد الأميين لدى الفئات العمرية التي تزيد على 15 عاماً بلغ قرابة 99.5 مليون، وتابعت ان معدل الأمية في المنطقة وصل إلى %29.7 ، وأوضحت المنظمة أن 75 مليونا من إجمالي الأميين العرب تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاماً. وتزيد معدلات الأمية بين النساء، حيث يعاني قرابة نصفهن منها %46.5. وأكدت الالكسو ان الأعداد الكبيرة للأميين في الدول العربية تعبر عن فجوة بنيوية عميقة تؤثر على تطور المجتمع العربي (...) كما تترتب عنها نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة." .وبكل تأكيد تصور اغلبنا ان هذه الملايين موجودة في الصومال والسودان وموريتانيا وجيبوتي وغيرها ، ولم يتصور العراقيون الذين اطلعوا على الخبر ان بلادهم العراق مهد الحضارات له حصة كبيرة جدا جدا في هذه المائة مليون .واذا كان لدينا مئات الالاف ما بين سن 15 - 45 سنة لم يتعلموا ، فان مئات الاف اخرين لم يدخلوا المدرسة حتى الان وهم ما زالوا في سن التعليم الالزامي ، لان مدنا كثيرة بسب العنف اغلقت المدارس ، وعائلات كثيرة تخاف على اولادها لم تدخلهم المدرسة ، وعائلات فقيرة القت بابنائها على قارعة الطريق لكسب لقمة الخبز ، ومهجرون في الداخل والخارج لم يجدوا مدرسة يكحلون عيونهم بسبوراتها ، نعم .. ولا تستغربوا فان الذي يهوّن المشكلة هو ببساطة .. لا توجد لدينا احصائيات .
مقالات اخرى للكاتب