يتعرّض العرب لهجمة خفية مبرمجة متوثبة حامية فتاكة غاشمة , غايتها الأساسية تقضي بتكريس المكرس وتدمير ما هو صالح.
وذلك بأساليب نفسية مدروسة , وطرح يسعى إلى زعزعة العقل وإرتجاج المفاهيم , وزرع ما هو مطلوب في النفوس , لكي يتحقق السلوك المرغوب به , والذي يؤكد المصالح ويساند الخطط والبرامج المستترة والمعلومة.
وهذا المنهج قد فعل فعله في المجتمع على مدى القرن العشرين , ولا يزال فاعلا ومدمرا.
وبعد الذي حصل , وما أصاب الوعي من تغيرات وتنوير وفهم وإطلاع , وإحساس بالمسؤولية وضرورة الفعل والعمل.
وبعد أن إستعاد العرب الشعور بقدرة التغيير وتأكيد الذات , فأن الأساليب اللازمة لتكريس المرتكزات الضرورية لخدمة المصالح , لا بد لها أن تتغير أيضا , لتتواكب مع المتغيرات والتفاعلات الجديدة.
فعلى سبيل المثال المناداة بالديمقراطية , ستتحول إلى نقمة أكبر من نقمة الإستبداد.
لأن الديمقراطية الحقيقية تعني إطلاق الطاقات وتنامي القدرات , وتقدم البلاد والعباد , والإستثمار الوطني للثروات.
وهذا لا يتفق والمصالح والمطامع الأخرى المعروفة , ولهذا لا بد أن تتحول الديمقراطية إلى نقمة , ولا يجوز أن تكون نعمة.
وبما أن الدين تصدّر الحركة وتزايد عدد اللحى في مجالس الشعب المُنتخبة , فأن الدين لا بد له أن يكون الأسلوب الجديد لتدمير المدّمر , وتقسيم المقسّم وتخريب المخرّب , وإضعاف الضعيف وتوفير المناخات الملائمة لإهلاك الناس ببعضهم .
وما يجري اليوم هو سياسات قاسية , لتحقيق أعلى درجات الدمار والفتك بالمجتمعات العربية كافة , ولن ينجو مجتمع واحد من المأساة , ذلك أنها قد أهّلت من أبنائها مَن يكونون قادرين للعمل ضدها , وتحقيق الظروف المناسبة لتفتيت البلاد وتشريد العباد.
وفي هذه المأساة سيكون النزيف العربي عاليا وغاليا.
والمسيرة في القرن الحادي والعشرين تقهقرا سريعا إلى الوراء , وأقسى من مسيرة القرن الذي سبقه , حيث تأسّن العرب فيه وتم أسرهم في معنقلات الأوطان.
واليوم المصالح تقتضي , أن تتحول الأوطان إلى ميادين قتال ما بين أبناء الوطن الواحد.
وذلك بضخ التوصيفات والمسميات , وتعزيزها بطاقات إنفعالية لازمة لتخندقها وتموضعها في كينونات , لا تعرف إلا التناطح الشديد , ولا تسمح لصوت العقل والتفاعل الوطني الإيجابي.
لأن الوطن سيتم نسفه ومسحه من أعماق الوعي العربي.
وسيكون موطن الإنسان , أوصالَ الوطن والفئة والمذهب والطائفة والشرذمة والعصابة , وما يتصل بها من التكتلات, الرامية إلى تحقيق أعلى درجات التمزق والتقاتل والتصارع الدامي المتواصل , حتى نهاية عصر النفط!!
مقالات اخرى للكاتب