مخطئ من يظن اننا نستطيع ان نستميل الإدارة الأمريكية الى جانبنا , أو ان نتمكن من تغيير مواقفها التاريخية المؤيدة والمساندة لـ "إسرائيل" او اننا نستطيع ان نحملها على الأيمان بعدالة قضايانا العربية , ومساندتنا في مطالبنا وحقوقنا المشروعة , فهذا وهم وخيال , وحلم صعب المنال , وغاية ابدا لن ندركها , فالولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى بحال عن "إسرائيل" , ولن تتركها نهبا للأحداث ولن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التحديات الكبرى التي تواجهها , وستبقى تتصدى معها او نيابة عنها لمواجهة المخاطر التي تحدق بها , وتعرض أمنها ومستقبلها للخطر , وسيكون من السهل على الولايات المتحدة الأمريكية التضحية بحلفائها العرب والمسلمين اذا تعارضت مصالح "إسرائيل" معها , فالوفاء للمشروع الصهيوني لدى الإدارات الأمريكية عهد متوارث , وعقد مقدس , لا يقوى أي رئيس امريكي ان يتحلل منه , ا وان يخل ببنوده وأصوله سواء أيمانا منه بواجب حماية "إسرائيل" وتحقيق أمنها وتفوقها , ا خوفا من سيفها المسلط في الحملات الانتخابية الأمريكية المتعددة , وحرصا على الصوت اليهودي , ونفوذ اللوبي الصهيوني النشط والمؤثر في نتائج الانتخابات الأمريكية .
نخطئ كثيرا عندما نعتقد ان الخطاب السياسي الأمريكي تجاه العرب والمسلمين قد تغير , وان نبرة الإدارة الأمريكية إزاء "إسرائيل" قد تغيرت , وان الرئيس الأمريكي باراك اوباما قد كشر عن أنيابه , وأبدى غضبه وسخطه تجاه الحكومة الإسرائيلية , وانه أعرب مرارا عن عدم رصاه عن سياسة الحكومة الإسرائيلية , وان أدارته غير راضية عن الممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس , ضد سكانها وممتلكاتهم ضد مقدساتها وحقوق أهلها , فالغضب الأمريكي تجاه "إسرائيل" لم يكن الا سحابة صيف , رغم اهانة الحكومة الإسرائيلية للإدارة الأمريكية و وقد مرت موجة الغضب الأمريكي كالبرق اللامع , ولم تترك على صفة العلاقات الثنائية أثرا , فالذين راهنوا كثيرا على برودة استقبال ووداع الرئيس الأمريكي باراك اوباما لضيفه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية في زيارته قبل الأخيرة الى واشنطن , وقد اصيبو بنكسة امام الاستقبال الحار واللافت الذي حظي به نتنياهو من قبل مضيفه في البيت الأبيض , الذي لم يكتف بحفاوة الاستقبال , بل بالغ في وداعه راجلا معه حتى باب سيارته , في رسالة واضحة الى اللوبي الصهيوني , والحكومة الإسرائيلية ان موجة الغضب التي استعرت من قبل الإدارة الأمريكية ضد "إسرائيل" كانت اكبر من الحقيقة , وانها لم تكن تعبر عن جوهر علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بـ"إسرائيل" كما كانت رسالة واضحة الى كل الذين راهنوا على توتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية , وعلى تغير لهجة الخطاب الأمريكي تجاه "إسرائيل" , مفادها ان الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن "إسرائيل", ولن تنقلب عليها , ولن تسمح لأحد بان يهددها , او يعرض أمنها للخطر.
وفي الوقت الذي ألانت فيه الإدارة الأمريكية خطابها لقادة الدول العربية , وألحت عليهم لمنح الحكومة الإسرائيلية المزيد من الوقت لإثبات حسن نيتها , وصدق توجها نحو السلام , وطالبتهم بالضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بإجراء مفاوضات غير مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية قد انتهى , وان فصل الخريف قد حل وان الولايات المتحدة الأمريكية قد قلبت ظهرا المحن لـ "إسرائيل" وأنها باتت الى مصالحها في المنطقة , والى صورتها التي ساءت اخيرا بسبب سياسة الإدارة السابقة , وانها قد تضحي بعلاقاتها الإستراتيجية مع "إسرائيل" من اجل صون مصالحها , وحماية جنودها وقواعدها العسكرية في المنطقة , مخافة اندلاع حرب او فوضى في المنطقة في حال مهاجمة ايران , ولكن الإدارة الأمريكية قد خيبت أمال قادة الدول العربية , وبدلا من تمارس ذات الضغط على الحكومة الإسرائيلية , قامت بتوجيه رسالة تحذير الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس , وهي حقيقتها رسالة تحذير الى قادة الدول العربية جميعا , مفادها ان تعودوا جميعا الى حظيرة المفاوضات المباشرة , وان تقلعوا عن وضع الشروط , وخلق العقبات , والا فان الغضب الأمريكي سيحل على السلطة الفلسطينية , وعلى الأمة العربية والإسلامية , وسيدفع الفلسطينيون مزيدا من الثمن حصارا وتجويعا وقتلا وتشريدا ولن تلق الإدارة الأمريكية بالا إزاء المعاناة الفلسطينية , ولن تطالب إسرائيل بالتخفيف عن الفلسطينيين فضلا عن انها ستحرم الفلسطينيين وسلطتهم من المنح الأمريكية , ومن الوعود الدولية لهم بالرخاء والنعيم .
هذا هو الموقف الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية , وهذه هي سياستها الحقيقية إزاء "إسرائيل" , وتجاه المنطقة العربية والإسلامية , فهي الحليف الأكبر لـ "إسرائيل" , وهي الضامنة لأمنها , والساعية لتحقيق تفوقها وتميزها , هي الكفيلة بإزالة أي خطر قد يحدق بها , وهي على استعداد لسحق أي قوة قد تهدد مستقبل الدولة العبرية , واما معاني التغيير والإصلاح التي أبداها الرئيس اوباما في خطاباته الشهيرة الموجهة الى الأمتين العربية والإسلامية في القاهرة وأنقرة , فهي ليست أكثر من سراب , وقد كانت محاولة لذر الرماد في العيون , سعيا لتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية الأخذة في التشوه والتدهور , ومحاولة من الإدارة الأمريكية لصنع اصطفاف عربي الى جانب دول الحلفاء لمواجهه الخطر النووي الإيراني , كما ان الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذي يتطلع الى الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ , والذي يطمح في دورة رئاسية ثانية , لن يفرط في هذه الآمال , ولن يعرض مستقبله الشخصي , ومستقبل حزبه لاي خسارة ممكنة , ولن يعلق مصيره بمصالح عربية مضمونة , ونفوذ عسكري في مناطقهم محقق وموجود لعلمه ان الأنظمة العربية في حاجة لها اكثر من حاجة الولايات المتحدة لهم فبقاء هذه الأنظمة رهن بالرضا الأمريكي , واستقرار الأوضاع في بلادهم رهن بمدى طواعية هذه الأنظمة الى الإدارة الأمريكية .
استمالة الإدارة الأمريكية تجاهنا وهم وسراب , وتحقيق وتغيير في مواقفهم لصالحنا واستحالة وخيال , والرهان على عدالتهم ونزاهتهم وخرف وسفه , والانجرار وراء وعودهم تيه وضياع , وخسارة للحقوق وأكثر , ومغادرة لمواقع القوة اخطر , فلا شيء يجبر الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأوربية على تغيير مواقفهم , او تعديل سياستهم , غير التمسك بالحقوق , والركون الى القوة , والاعتماد على خيارات الأمة ودعم صمودها , وتمكين مقاومتها , فهي السبيل الوحيد القادر على أجبار معسكر الأعداء , "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية ومن يساندهم , على مغادرة مربعات الظلم والعداء , والتاريخ خير شاهد على انتصار أصحاب الحقوق , ودحر عتاة قوى الاستعمار والاحتلال , فأصحاب الحقوق الذين ثبتوا على مواقفهم , ولم يغيروا قناعاتهم , هم الذين حققوا الغايات , ووصلوا الى الأهداف , اما قوى الظلم والبغي فهي التي تراجعت وانكفأت , وهي التي غيرت خطابها وانكسرت , ولكن سنة التغيير لا تتحقق الا اذا امن أصحاب الحق بحقوقهم , وثبتو رغم القهر على مواقفهم , ولم يراهنوا على على خلق العدو بان يغير خطابه , او ان يتراجع بمحض أرادته عن سياساته .