تتوقف جارتي الشابة الصغيرة التي حصلت مؤخرا على لقب أفضل عازفة في الولاية عن عزفها على آلة "الكيتار" في تمام الساعة التاسعة من مساء كل يوم باستثناء يومي الجمعة والسبت، ليس لأنها تخلد الى النوم في هذا الوقت، بل لأنها تشعر بمسؤولية احترام الناس الآخرين من حولها فأغلبهم يخلد الى النوم في هذا الوقت كي يتمكن من الذهاب الى عمله بشكل مستريح.
لم أستغرب مطلقا الأهداف المحققة التي ضاعت من لاعبي منتخبنا الوطني في مباراتهم التجريبية أمام المنتخب اليبيري. عدم استغرابي ليس بسبب ضعف مهارة اللاعبين الذين أضاعوا هذه الفرص فأغلبهم يتمتع بمهارات عالية كنشأت أكرم، ومصطفى كريم، وعلاء عبدالزهرة، وأمجد راضي وغيرهم، بل لأنني لمست ومنذ الدقائق الأولى من زمن المباراة لغة " الأنا " في اداء جميع اللاعبين، لاسيما الذين يلعبون في الخطوط الأمامية، فقد كانت روح الأنانية هي السمة الطاغية على صورة اللاعبين.
لغة " الأنا" هي التي كانت تفكر، هي التي كانت تتحدث، هي التي كانت تتخذ القرارات، وبالتالي فهي التي كانت تركل الكرة. ولأن هذه اللغة لا تنتج فقد جاءت الكرات عشوائية وغير متقنة، بل فوضوية الى حد الجزع.
نتابع مباريات المنتخبات الأوروبية ومثلها منتخبات أمريكا اللاتينية وحتى مباريات أنديتهم فنشاهد حالة تهديفية يستطيع اللاعب فيها تسجيل هدف بنسبة عالية كأن تكون أكثر من 60% ، لكنه يقرر في أقل من ثانية تمرير الكرة الى زميل له بعد أن يرى امتلاكه نسبة تسجيل أكثر منه لتعم فرحتهما سوية بتسجيل الهدف وبالتالي فرحة جميع أعضاء الفريق والجمهور.
هذا هو الفرق، الفرق في لغة العمل والتعامل، فهناك فرق كبير في لغة ال " أنا "، ولغة ال" نحن ". لن أقارن مطلقا، هذه هي ثقافتنا، لكنني أتحسر بألم شديد، فاقضية قضية ثقافة وتثقيف. علينا الاعتراف بهذه الحقيقة. الاعتراف يعد جزءً من الوصول الى الحل، أما الهرب منها فيزيد الطينة بله.
هذه هي ثقافتنا، لذا تأخرنا عن العالم الآخر، ليس في كرة القدم، بل في مجالات عديدة . أصبحت هناك فجوة كبيرة بيننا وبين العالم الآخر لأننا لا نتحدث، ولا نفهم الا لغة واحدة هي لغة " الأنا "، أما هم، نعني الجانب الآخر من العالم فيفكرون ويتحدثون بلغة أخرى هي لغة " نحن ".
مباراتنا أمام ليبريا كانت تجريبية ومن الممكن أن اللاعبين أرادوا أن يثبتوا جدارتهم في هذه المباراة الودية كي يكونوا ضمن التشكيلة الأساسية في المباراة الرسمية أمام عمان، مع أن ذلك ليس سببا مسوغا لما حصل في المباراة، لكننا نتوقع أن يستمر الحال نفسه في المباراة الرسيمة إذا ما تدارك الكادر التدريبي والاداري هذه الحقيقة .
إذن، أمام الكادر التدريبي فرصة لوضع هذه الحقيقة أمام اللاعبين بتشكيلتهم الأساسية والاحتياطية لتدارك عدم تكرار الكارثة التي حصلت في مباراة ليبريا. ربما أن الوقت غير كاف، لاسيما في ظل غياب المباريات التجريبية التي أكدنا مرارا وتكرارا على ضرورات اقامتها، لكن وضع الحقيقة بقوة أمامهم ربما ينفع في هذا الوقت الحرج.
مشاهدة مباراة ليبريا من قبل اللاعبين مرة ومرتين وثلاثة قبل مباراة عمان والحديث أثناء المشاهدة عن الفرق بين لغة ال " أنا "، ولغة ال " نحن " ، فضلا عن اختيار لقطات مختارة تتناول التعاون بين اللاعبين من مباريات منتخبات وأندية أوروبية وأمريكية سيساهم في تثقيف لاعبينا أيضا.
نؤكد على أن هناك العديد من المفاتيح التي ستساهم في تأهلنا الى كاس العالم، لاسيما في ظل امتلاك منتخبنا للعديد من اللاعبين المؤهلين بدنيا وفنيا، لكن ذلك لا ينفع مطلقا إذا ما ظلت لغة " الأنا" هي التي تقود تفكيرهم وقرارهم.
جارتي الشابة الصغيرة عازفة الكيتار تتوقف عن العزف في تمام الساعة التاسعة لشعورها بالمسؤولية اتجاه جيرانها الذين لا يزيد عددهم عن عشرين شخصا، لذا أدعوا جميع اللاعبين أن يفكروا ألف مرة بثلاثين مليون بانتظارهم.
