بعض تصريحات أعضاء من البرلمان العراقي وأخرى من بعض السياسيين العراقيين لا تعد مخالفة للدستور حسب، بل أنها ساذجة جدا، وتدلل أما عن جهل، أو انعكاس للهيسترية التي يعيشها السياسي العراقي في ظل التناحر بين الكتل السياسية.
بعضهم، لاسيما من الكتل السنية، يؤكد على أن منصب رئيس الجمهورية يجب ان يكون "عربيا"، ولا نعرف من أين جاء بهذا الوجوب، ويبرر ذلك على أن العراق دولة عربية يجب أن تكون واجهتها المتمثلة برئيس الجمهورية " عربية "، متجاوزا الدستور العراقي الذي لا يشير مطلقا الى ذلك، بل أنه ، أي الدستور وضع شروطا معينة لم يتطرق فيها الى قومية أو دين أو مذهب المرشح الى هذا المنصب، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على البعض الآخر الذي يؤكد على أن هذا المنصب هو استحقاق كردي وفق التوافقات السياسية، متناسيا أن هذه التوافقات هي مخالفة واضحة للدستور، فضلا عن أن السياسيين طالما ضربوا التوافقات عرض الحائط في مناسبات عديدة خلال الدورة البرلمانية السابقة، لاسيما تلك التي لا تتوافق مع مصالحهم الخاصة. وهنا أسوق مثالين مهمين من الدورة البرلمانية السابقة أولهما اقرار ميزانية 2013 الذي حصل من دون توافق سياسي مع الكرد، وثانيهما عدم التوافق على اقرار مشروع البنى التحتية الذي طرحته كتلة دولة القانون.
أما بعضهم الأخير فقد ظهرت صورته هذه المرة لأول مرة ونعني بهم بعض الذين رشحوا أنفسهم لهذا المنصب من الكتل الشيعية وهؤلاء يحملون أجندة سياسية مختلفة تأخذ الدستور وفقراته حجة لتمرير هذه الأجندة. من المؤكد أنه يحق لهم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حسب الدستور، لكنهم لا يخدعون أنفسهم من خلال هذا الترشح حسب، بل يحاولون خداعنا بطريقة ساذجة جدا لأننا جميعا نفهم الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ترشحهم بغض النظر ان كانت حقيقة، أم غير حقيقية، إذ أن واقع الحال يؤكد على عدم وصولهم الى هذا المنصب في الأحوال كلها، لأن المحاصصة منحتهم منصب رئيس الوزراء، مع أنه استحقاقهم من دون منازع باعتبارهم الكتلة البرلمانية الأكبر حسب نتائج الانتخابات السابقة كلها والحالية.
ويبقى القسم الأخير من الذين رشحوا أنفسهم لهذا المنصب وبعضهم يحاول صادقا كسر هيمنة الكتل السياسية الكبيرة من خلال ظهوره كمرشح من خارج هذه الكتل مستندا الى الدستور العراقي، لكنه يعلم جيدا بأن حظوظه تصل الى درجة الصفر، وبعضهم دخل هذه المعمعة للظهور في الاعلام فقط .
الطامة الكبرى لا تكمن في هؤلاء جميعا، بل أنها تكمن في رئيس الرلمان الجديد سليم الجبوري الذي وصل الى هذا المنصب عبر التوافقات السياسية التي قسمت المناصب الرئاسية الثلاث على "الشيعة، منصب رئيس الوزراء، والسنة، منصب رئيس البرلمان، والكرد، منصب رئيس الجمهورية "، لكن الرئيس الجديد للبرلمان وبعد أن جلس على كرسي الرئيس خطب بممثلي الشعب في البرلمان خطبة عصماء أكد فيها على أنه يحق لأي مواطن عراقي الترشح على منصب رئيس الجمهورية ان تطابقت عليه الشروط التي حددها الدستور العراقي. وهو إذ يعلن هذا فانه يريد أن يقول لنا بأنه طبق الدستور العراقي، لكنه تناسى أن وصوله الى هذا الكرسي جاء عبر التوافق السياسي الذي لم يذكر في فقراته اشتراط أن يكون رئيس البرلمان من المكون السني.
المشهد الأخير : نعم، يجب أن تكون الكلمة الأخيرة للدستور الذي يتيح للجميع، أعني جميع العراقيين، للترشح الى هذا المنصب، وايضا الدستور لا يقف ضد توافقات الكتل السياسية على شخص معين بأية صيغة من الصيغ، لكن يبدو أن الصيغة الوحيدة التي اتفقت عليها الكتل السياسية الكبيرة هي صيغة المحاصصة، وهنا أعود بذاكرتي الى لقاء تلفازي شاهدته بعد انتخابات 2010 مع محمود المشهداني رئيس البرلمان الأسبق، وحيدر الملا عضو البرلمان السابق، وكان الصراع في تلك الفترة محتدما حول منصب رئيس الوزراء بين التحالف الوطني والقائمة العراقية، قال فيه المشهداني للملا: "عمو حيدوري لا تعبون نفسكم .. روحوا دوروا على واحد من بيناتكم يصير رئيس البرلمان لأن منصب رئيس الوزراء للشيعة وبالتحديد لنوري المالكي ومنصب رئيس الجمهورية للأكراد وبالتحديد لجلال الطالباني .. فاستعجلوا واتفقوا على واحد حتى يصير رئيس البرلمان ولا تعبون نفسكم ولا تعبونا وياكم".
ونحن نقول .. هكذا سيكون المشهد الأخير لصورة منصب رئيس الجمهورية، إذ سيكون من الكرد وفق التوافقات السياسية المخالفة للدستور العراقي حاله من حال منصب رئيس البرلمان ...!!.