أقر مؤتمر بغداد لحركات الاحتجاج الذي انعقد يوم 29 الشهر الماضي في مقر جمعية الثقافة للجميع، آليات تنويع التحشيد للاحتجاج وتوسيعه وإدارته، الى جانب ورقة المطالب، وتضمنت الآليات احدى وعشرين نقطة غايتها ادامة التظاهرات وزيادة زخمها.
لم يتطرق المؤتمر بالمرة الى إيقاف التظاهرات، رغم انه ناقش اموراً شتى، وتشعب في النقاش الى تفاصيل كثيرة، خاصة في الاجتماع التحضيري للمؤتمر الذي عقد في اليوم السابق.
لم يطرح احد من الحاضرين فكرة او رأياً او إشارة الى إيقاف التظاهرات، لكن الفكرة كانت حاضرة بتفاصيلها، لأن عدداً من ناشطي التظاهرات تحدثوا مراراً عن إيقاف التظاهرات، ونشروا آراءهم في صفحاتهم، معللين ذلك بان التظاهرات فقدت بريقها، وضعف تأثيرها، وأصبحت روتيناً كما يقولون، فالحضور الى ساحات التظاهر لساعات محدودة وفض التظاهرة لا يترك تأثيرا واضحا على أصحاب القرار، بالعكس من ذلك ان المتنفذين امسوا متعودين عليها، ومنهم من يريدها ان تبقى في حجم محدود من دون ان تتوسع، وبالتالي يستفيد منها في صراعه السياسي، ويضيف اصحاب هذا الرأي حججاً اخرى منها انسحاب جمهور كبير من ساحات التظاهر واقتصارها على أبرز الناشطين وانها لم تستقطب جمهوراً جديداً، ويقترحون بالتالي تعليق التظاهرات بضعة اشهر يتم بعدها تحديد موعد جديد لإطلاقها، بهدف ارجاع زخمها كي تكون مؤثرة.
لقد غاب عن أصحاب هذا الرأي المتمثل في تعليق التظاهرات عدد من الامور المهمة، منها انه لا يوجد سند واقعي وعلمي يدعم توقعهم بان تأجيل التظاهرات سيكسبها زخماً كبيراً وجديداً عندما يتم استئنافها، وان حدث ذلك جدلا، فهم لا يمتلكون حجة علمية وواقعية تؤكد الحفاظ على الزخم الذي يتصورونه والحيلولة دون تراجع العدد مرة اخرى بعد بضع تظاهرات، وان كانت لديهم آليات معينة في هذا الخصوص فلماذا لا يستخدمونها الآن؟
لقد تناسى اصحاب هذا الرأي ان حركة الاحتجاج خلقت باستمرارها ديناميكياتها الخاصة من حيث صياغة مفهومها، وبلورة مطالبها، وتحديد اسلوبها السلمي، فالمحتجون في الاسابيع الاولى عبروا عن غضب لم يتبلور بمطالب محددة، انما تبلورت المطالب بعد نقاشات مستفيضة وطويلة امتدت الى اسابيع، وكوّنتها قناعات عامة، فالحركة الاحتجاجية بهذا المعنى ليست ماركة مسجلة باسم تجاري لأحد، وهي ليست شأناً شخصياً يخص منظميها، ولا هي محل مسجل باسم محدد كي يقفله ويفتحه متى يشاء! انما هي حركة احتجاج جماهيرية، صاحب الشأن فيها هم المحتجون ذاتهم، الذين ما زالوا يعتقدون بان التظاهرات ووسيلة مهمة للتعبير عن آرائهم وآلية مناسبة يرفعون مطالبهم المشروعة من خلالها، وسيلة للضغط على اصحاب القرار كي يستجيبوا لهم.
اما الجمهور الذي لم يعاود الحضور في ساحات التظاهر، فسبب غيابه ليس في كونه فقد الرغبة في التظاهر، وانما لان قسماً منهم لم يعد مقتنعا بالتظاهر السلمي كوسيلة مجدية لاجبار المتنفذين على تحقيق المطالب، لذا يطلبون التصعيد، ومنهم من يدعو الى استخدام العنف، ومنهم من يطالب باقتحام المنطقة الخضراء، وهناك من ينادي بالاعتصام، هكذا عبروا في اكثر من مناسبة وأمام وسائل الاعلام، وهذه رسائل لم يفهمهما اصحاب القرار الذين لا يدركون ان العلم يستطيع التحسب لامور عديدة لكنه لا يمكنه التحسب لـ ردة فعل الشعب، الذي حينما يغضب لا يتصور احد حدود ردود فعله ومداها.
الشعب الآن ساخط ومتذمر ويائس من كل سلطات الدولة ومؤسساتها، وسيقول كلمته بالتأكيد، وهي كلمة ستفاجئ كل من يبتعد عن متابعة مزاج الجماهير ومعاناتها.
وعلى هذا الاساس نحن مستمرون، وان مواصلة الاحتجاج على كل الازمات التي سببتها المحاصصة والفساد والارهاب، هي اهم رسالة خرجت من المؤتمر.
مقالات اخرى للكاتب