لا حاجة الى دليل جديد يبرهن على عدم اكتراث السلطات الثلاث بمطالب الجماهير، التي عَبّر عنها المتظاهرون من خلال فعالياتهم المستمرة طيلة اكثر من أربعة أشهر، رفعوا فيها مطالب محددة، وصاغوا أوراقاً ممنهجة، وقد استجابت لها السلطات والحق يقال، بعد الأسبوع الأول من انطلاق التظاهرات، لكنها لم تبلغ الحد الأدنى في تنفيذ المطالب، ثم سرعان ما أصبح الالتفاف والمراوغة سيد الموقف، اذ كانت الاستجابة في عمومها شكلية ولم تبلغ جوهر المطالب، ويمكن الرجوع الى الأوراق والحزم "الإصلاحية" التي لم تنفذ في غالبها الأعم!
اذا كان القول ان (لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين) صحيحا، فصحيح كذلك القول ان (لا إصلاح بدون إصلاحيين)، حتى بدا ان الرهان على إمكان إصلاح النظام السياسي الذي بني على أساس المحاصصة الطائفية بيد رموز الطائفية، رهاناً في غير محله، والأيام تثبت ان المتنفذين لم يغادروا منهج المحاصصة وطريقته في إدارة الحكم، تؤكد ذلك افعال وتصريحات المتنفذين من خلال متابعة الاحداث. فمثلا يمكن تحليل التصريحات التي انطلقت من اطراف الصراع الطائفي بصدد حادثتين، الاولى حادثة دخول الزوار الايرانين من معبر زرباطية واعتدائهم على الجهات الرسمية في المعبر، والحادثة الثانية هي اجتياح قوات تركية اراضي العراق، حيث تجد طرفي الطائفية وقد اتخذ كل منهما موقفاً يتناقض مع موقف الآخر، ويبرر لامتداده الاقليمي من وجهة نظر طائفية، ويصعد النقد للطرف الآخر، وهكذا فضحوا بشكل كاريكاتيري ولاءاتهم الطائفية على حساب الولاء للعراق،
هذا وغيره يؤشر حقيقة ان رموز الطائفية يمكن ان يأخذوا عبرة من منهج المحاصصة الذي دمر العراق ووضعه في نفق مظلم، حيث تفشى الارهاب والفساد، وأصبح البلد مستباحا من كل من هب ودب.
اما مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، فذلك ملف يبدو الاقتراب منه من المحرمات! فكيف لنا والفساد اصبح اخطبوطاً يلف الغالبية العظمى من الطبقة السياسية الحاكمة؟ فيما لم تقدم الحكومة على أي خطوة باتجاه تأمين ابسط الخدمات الضرورية للحياة والمعيشة، بالعكس من ذلك القت الحكومة تبعات الازمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالعراق على عاتق الطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة.
لقد انحنت الحكومة وطأطأت رأسها امام وصفة البنك الدولي، وبدأت تضع البلد تحت اشتراطاته، فخفضت رواتب المتقاعدين، التي لا تكفي لمواجهة تكاليف المعيشة ومستلزمات فئة المتقاعدين، وجلهم من الذين افنوا اعمارهم في خدمة العراق، وانهكتهم امراض الشيخوخة، ولا معين لهم في مواجهتها، لا خدمات طبية ولا ضمانات اخرى، وها هي تلقي بتداعياتها على الاوضاع الحياتية والمعيشية للمواطنين، وتلحق بها التجاوز على مفردات البطاقة التموينة التي هي شحيحة اصلا، والتي يعتاش عليها الملايين ممن يعيشون تحت مستوى الفقر.
ويبدو ان فقراء العراق هم من يتحمل، وكالعادة، اعباء الازمة الاقتصادية! فالتقشف لا يعرف درباً نحو زعماء البلاد، ذوي الامتيازات الواسعة والحمايات الكبيرة والايفادات المستمرة.
في ظل هذه الازمات وتداعياتها، وعدم الجدية في البحث عن حلول لاخراج البلد من معضلاته المستعصية، يتوهم من يعتقد ان الشعب العراقي سيصمت ولا يدافع عن حقه، ومن يراهن على نفاد صبر المتظاهرين وتراجع عدد منهم، فالاسباب التي دعتهم للتظاهر موجودة وفي ازدياد، والمهلة التي منحوها لمجلس النواب كي يتعامل مع مذكرتهم انتهت دون ان تنطق رئاسة البرلمان بكلمة، وهي ماضية في تجاهلها لحركتهم.
وهذا ما سيضطر المتظاهرين الى تشديد احتجاجاتهم وتنويعها، واطلاق صرختهم اعلى ضد الجور والفساد!
مقالات اخرى للكاتب