لا نستغرب تحرك نواب من دولة القانون وكتل اخرى في اتجاه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء السيد حيدر العبادي. وعدم الاستغراب هذا ينطلق من متابعة التصريحات والتلميحات التي تصدر عن هذا النائب او ذاك، وتفهم منها معارضة واضحة لإجراءات وأداء العبادي، الذي لم يستفد من الدعم الواسع الذي حظي به عند طرح حزمة الإصلاح، رغم الملاحظات التي سجلت في شأنها. كما لم يحافظ على زخم تأييد المتظاهرين الذين بادروا الى دعم إجراءاته، وتطلعوا الى أن تكون جزءا من سياسة إصلاحية راسخة، ولا تقتصر على إجراءات تقشفية أو خطوات فهم البعض أنها تدخل في باب إضعاف خصومه وتصفية نفوذهم.
لقد افتقد رئيس الوزراء رؤية واضحة ومحددة للإصلاح، وبدت سياساته ضعيفة، متلكئة ومتعثرة. فهو لم يطرح برنامجا شاملا للإصلاح، كما غاب عنده المنهج الذي يحدد منحى هذا الإصلاح وتوجهه. وأدى ذلك الى غلبة الريبة والشك في قدرة شخص واحد على المضي في طريق الإصلاح، وإخراج البلد من النفق المظلم الذي دفعته اليه سياسات المحاصصة وممارسات الفساد والافساد، التي شكلت علامة فارقة لنظام الحكم منذ التغييرفي 2003 حتى الآن. فهو لم يسهم في اطلاق حراك يولد استقطابات جديدة، ويؤدي الى فرز بين من يؤمنون بضرورة الإصلاح ومن يناهضونه. وبنتيجة ذلك افتقد الإصلاح الغطاء السياسي اللازم لتحقيقه وترسيخه وتأمين القناعة به.
ولم يبادر رئيس الوزراء الى اختيار فريق عمل تتناسب كفاءاته وقدراته مع التحديات الماثلة، وما زال فريقه العامل غامضا ومجهولا في الساحة السياسية. ولم يساعده هذا الفريق ويبين له عدم امكان المضي في تنفيذ الإجراءات المقررة، التي ينقص بعضها الإسناد الدستوري ويحتاج بعضها الآخر الى تشريع، وعدم امكان تحول الحكومة الى حكومة إصلاح ما دامت قائمة على توافقات بموجب منهج المحاصصة نفسه، الذي هو اساس البلاء ومصدر الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المترابطة والمتشابكة والمتفاعلة.
كذلك لم يبادر الى الاتصال بالقوى السياسية التي لم تكن جزءا من المحاصصة الطائفية، وتجاهل المثقفين وصناع الرأي، ولم ينفتح على المتظاهرين ويفتح معهم حوارا مباشرا، وبدا كمن ينظر الى التظاهرات على انها مطلوبة وقت الحاجة، واقتصدت خطاباته في الإشارة اليها في الوقت الذي كانت فيه هذه التظاهرات تدق جرس الانذار، وتثبت باستمرارها وتواصلها انها القوة الأساسية التي ينبغي لمن يريد الإصلاح الاستناد إليها، كونها تمثل نفس الشارع العراقي ونبض جماهير المواطنين. بل ولم تصدر منه اشارة او اجراء في شأن الممارسات التي انصبت على مضايقة التظاهرات والتضييق على الناشطين، وبضمنه الاعتقالات وفرض التعهدات ومنع ادخال اجهزة الصوت الى ساحات التظاهر.
نعم، كان ينبغي للرئيس الا ينسى ان الحرب على كبار رموز المحاصصة وحيتان الفساد لا تحسم بخطوات واهنة، ودون استعداد كافٍ، ودون بناء تحالف سياسي واسع وجبهة اصلاح رصينة، وفي غياب منهج عمل واضح، ورؤية علمية وعملية، وبرنامج شامل، وهمة عالية، وثقة بممثلي الشعب الحقيقيين وهم المتظاهرون في الساحات، وليس من اوصلهم التزوير الى قبة البرلمان.
وطبيعي انه كلما تأخر رئيس الوزراء في حسم امره، كلما ازدادت العقبات امامه. فهل تراه يمضي قدما نحو الاصلاح الحقيقي الشامل؟
ذلك هو السؤال..
مقالات اخرى للكاتب