ليس بالأمر المستغـرب أن يتدافع المشتركون بكثافة في (فيس – بوك ) لغرض إنشاء صفحات خاصة بهم ، على شبكة التواصل الاجتماعي ، فـقـد بلغ عـدد المشتركين في الأشهر القليلة الماضية إلى مليار ومئتين وثلاثين مليون مشترك ، و العـدد في تزايد مستمر ، حيث يتواصلون و يتعارفون بعضهم بعضا، ويقضون أوقاتاً طويلة يوميا حـد الإدمان، ولاسيما ان اغلبهم لديهم متسع من الوقت الفائض عن الحاجة ، مثل ربات البيوت و المتقاعدون والعاطلون عن العمل و العاطلات من مختلف الفئات العمرية ، يستعرض كل منهم بأسلوبه الخاص كل ما يجول بخاطره ويؤمن به ، إذ يتبنى أفكارا معينة يطرحها وينشرها على صفحته، منها ماهـو صالح للنشر وبعضه ليس كذلك، فيه تشنج و تذمر وسوء نية و قلة أدب تخدش الحياء ، الأمر الذي يكشف عن ثقافة صاحب الصفحة و شخصيته ومعدنه .
وحينما دار نقاش بيني و بين احدهم ، أكد لي انه يفتح صفحته عـدة مرات في اليوم لمجرد قـتل الوقت ، فقلت له مازحا : و ماذا فعل لك الوقت لكي تـقـتـله ؟ ! ، مشيرا إلى انه غير مقتنع تماما بالكثير من أصدقائه الذين بمن يدعون المثالية المفرطة في طروحاتهم على صفحاتهم من خلال كتاباتهم و إشاراتهم وتعليقاتهم . . ، فالجميع يجامل و يخاتل و يروج و يسوق الجمل و الكلمات من حكم و أمثال و أقوال مأثورة وشائعة و مقاطع شعرية وصور شخصية و سواها و مقاطع فـديـو حقيقية و مفبركة بأساليب بناءة مهذبة و بعضها للأسف تكون هدامة و مقيتة فيها لعنات وشتائم و تجاوزات مفضوحة بعيدا عن القيم و الأعراف ، مادامت مساحة الحرية مفتوحة على مصراعيها ، و يبقى حقا الرقيب الوحيد هـو الضمير و رجاحة الـعـقل ، وان الأحداث السياسية المحلية و العربية سرعان ما تجد صداها على شبكة التواصل الاجتماعي، وكأنها امتداد لتلك الأخبار ، فهي تخفي وراءها مواقف متعددة و تتخذ لها افكارا تترجم التنوع الثقافي والفكري المنصهر في بودقة وجودنا الـقـلق .
و ثمة من لا ينفك يصب جام غضبه على نحو مريب غير مهذب على شخصيات عامة يواصل التشهير بهم و النيل منهم بلا انقطاع ليل نهار ، كأن تكون تلك الشخصيات سياسية أو فكرية أو تاريخية ، بالمقابل تحصل الشخصيات ذاتها على المديح والثناء والتقدير والاعتزاز من قبل بعضهم الآخر، أود إيضاح و تبيان إن شخصيات مثل هؤلاء هي بالأساس موضع خلاف كبير قائم بين كبار عناوين العلماء و ذوي الاختصاص الرفيع، فكيف ببسطاء القوم و أشباه المتعلمين . . ، إن المعرفة العلمية الدقيقة يا سادة يا كرام لا تختزل بوجهة نظر فلان و رأي علان أبدا . . أبدا ، هـذه وسواها من المفارقات السائدة اليوم على صفحات التواصـــــــــــــــل الاجتماعي ، حتى صار اللغط و الفوضى هي القاعدة و الـسمة الغالبة ، فرفقا بنا أيها (الفيس – بكيون) الأعــزاء ، لا تخـرقوا قواعد الذوق العام ، ولا تستبيحوا ما حرم الله .
فالمطلوب العطاء المثمر والخلاق والارتقاء بالثقافة العامة، ومد جسور الأخوة الحقيقية والصداقة النابضة ، لأنها طوق نجاتنا إلى المستقبل ، وجواز سفرنا إلى قلوب الآخرين ، بمحبة و أمان و عيش رغيد يحفظ كرامة الإنسان ، في إطار واسع يشمل جميع بني البشر .
مقالات اخرى للكاتب