تعاني أغلب الدول النامية في الاختلال في موازناتها من كنتيجة حتمية للتفاوت بين الايرادات والنفقات في ميزانها التجاري وفي مجمل نشاطاتها الاقتصادية وضعف قطاعاتها الانتاجية المتمثلة بالقطاعين الصناعي والزراعي وارتفاع معدلات الاستيراد للسلع غير الانتاجية وتسرب العملة في ظل ضعف الأجهزة الرقابة, مما يضع الاقتصاد في حالة من العجز عن لتحقيق الخطط التنموية وانخفاض مستوى دخل الفرد بسبب قصور الدورة الاقتصادية في مخرجاتها الانتاجية وضعف الاستخدام وانخفاض القوة الشرائية وحصول حالة من الانكماش الاقتصادي .الأمر الذي يضطر الدولة الى الاقتراض من المنظمات والصناديق والبنوك الدولية التي تفرض شروطها في تقليص النفقات والدعم الحكومي وما يترتب عنه من ارتفاع في الاسعار وتدني القوة الشرائية . وأمام هذا التوجه فلابد أن يكون الاقتراض خاضعاً لدراسة متكاملة مع درجة عالية من الحذر في طريقة وأسلوب استخدامه , ذلك لأن سوء الاستخدام يؤدي الى نتائج سلبية تضر بالاقتصاد الوطني وتحمله أعباء مالية مستقبلية, ويمكن إجمال المحاذير والاضرار التي تترتب على عملية الاقتراض في غياب التوظيف المثمر على النحو التالي : –
1-الترهل الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم في حالة غياب الخطط الواضحة في معالجة الازمة الاقتصادية وتداعياتها.
2-اعتبار أسلوب الاقتراض حالة استثنائية جداً وعدم اعتمادها وسيلة لترقيع الأزمات الاقتصادية .
3-تراكم الفوائد السنوية بمعدلات متوالية حسابية تضاعف من قيمة القرض مما يؤدي الى تحميل الخطط التنموية والموازنات في السنوات اللاحقة أعباء كبيرة وخلق أزمات إقتصادية جديدة.
4-تهافت القطاعات المختلفة للحصول على حصص كبيرة من القروض في حالة غياب التخطيط المركزي وتجريده من منافعه التنموية التي تعود بالفائدة على المشاريع الانتاجية.
5- توجه صرف القرض في الانفاق الاستهلاكي وترك الباب مفتوحاً للادارات الفاسدة بالتصرف والتحكم في الانفاق على المصالح الشخصية والهدر. ومع كل التحفظات التي يجب ان توليها الحكومات منتهى الاهتمام في مجال الاقتراض , إلا إن الحاجة الشديدة لاصلاح الاوضاع الاقتصادية تدفعها الى طلب القروض رغم الجوانب السلبية التي ترافق الحصول عليها . مما يتطلب أقصى درجة من الترشيد لهذه القروض واتباع سياسة اقتصادية عقلانية بالتزامن مع التخطيط السليم لتحقيق الاستفادة القصوى منها. ويمكن اتخاذ مساعي العراق للحصول على القروض نموذجاً في كيفية استخدامها لاصلاح بعض الجوانب الاقتصادية من جهة , والتركيز على استخدام موارد البلد المتحققة والحفاظ عليها من الهدر والتلاعب من جهة أخرى . ويتطلب ذلك وضع عدد من المعايير التي تحول دون تبديد القروض وموارد البلد في آن واحد وتوجيهما بالاتجاه الصحيح وعلى النحو التالي :
1-وضع القروض في صندوق خاص يتم برمجة استخدامها وفق ميزانية مستقلة لمعالجة نقاط التصدع الأكثر الحاحاً في بنية الاقتصاد الوطني الانتاجية والتنموية حصراً, وتوزيعها على برنامج زمني لفترات قادمة.
2- السيطرة على الصرف وفق نظام حسابات قومية محكمة تحول دون تسربها لاغراض خارج نطاق النفع العام.
3-إن طلب القروض يعبر عن حالة من الضعف, وقبول شروط المديونية تسلط الضوء على حالة الاخفاق في اصلاح الاقتصاد من الداخل مما يستدعي مواجهة حالة الخضوع لشروط الاقتراض باجراءات الحفاظ على ماء الوجه بإتخاذ اجراءات صارمة في التقشف وايقاف مظاهر تبديد الثروة وهدر المال العام من قبل القائمين على ادارة البلد أنفسهم .
4-توجيه النسبة الأكبر من القروض للقطاعات الانتاجية لتشغيل المصانع التي لها الأولوية في أهمية منتجاتها وبعدد العاملين فيها وبما يضمن إيقاف استيراد السلع التي تنتجها, وتأتي الزراعة والخدمات في الخطوات اللا حقة .
5-تحديد محاور صرف القرض بشكل مسبق للمشاريع التي تعزز الوضع الاقتصادي وضمان عدم تسربها خارج تلك المحاور أو للميزانيات التشغيلية .
6-التخطيط لتسديد مبالغ القروض ضمن الفترة المحددة تحاشياً لتراكم الفوائد التي تضاعف من مبلغ القرض.
7-جعل اسلوب الاقتراض حالة استثنائية وعدم جدولة القروض كإيرادات ضمن الميزانية العــــــامة عند إعدادها.
8-تشكيل فريق عمل اقتصادي من الخبراء المتخصصين للاشراف على حركة الصرف , وإعداد تقارير دورية بذلك الى جهة الاقراض. ولابد من الاشارة الى إن القروض لايمكن أن تحقق أية اصلاحات اقتصادية في حالة استمرار مظاهر الهدر وسوء الادارة المالية وسرقة المال العام وإهمال دور خبراء الاقتصاد الموجودين خارج نطاق إدارة الدولة
مقالات اخرى للكاتب