تتسابق الأمم في تكريس طاقاتها من أجل إحراز التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يحقق لها السبق الدولي في أن تتصدر قائمة الدول المتقدمة وتحقيق مستوى الرفاهية من خلال زيادة الدخل القومي وتحسين مستوى المعيشة والارتقاء بمعدلات الانتاج في كافة المجالات .

          وأصبح هذا التقدم مرهوناً بالنجاح في مجال العلوم الصرفة من جهة كعلوم الفيزياء والكيمياء والطب والفلك والفضاء ، وفي العلوم الادارية التي تتمثل في ادارة الانتاج الصناعي والزراعي والمكننة وعلوم الاحصاء والتنبؤ وعلوم ادارة المواد والتسويق وادارة القوى العاملة وعلوم الادارة الصناعية وانتاجية المواد وقوة العمل والاستثمارات وغيرها من العلوم التي تمتد الى ادارة شؤون الأمن القومي للبدان في الجوانب العسكرية.وتتنوع وسائل ومحاور الاساليب المتبعة في  تحقيق النمو في جوانب الحياة المختلفة والتي تأتي في المقدمة منها المجالات الاقتصادية التي ترسم الطريق لمختلف مضامين الحياة التي تعبر عن التطور الحضاري والاجتماعي وفق آليات تنطلق من التقنيات العلمية الحديثة المستخدمة في نطاق النشاط التنموي ، ويمكن تصنيف أهم هذه التقنيات القادرة على التسريع بوتائر التنمية بالمحاور التالية :

1-      دراسة العمل : وتتناول تقنيات دراسة العمل كافة محاور النشاط في أية مؤسسة سواء كانت انتاجية أم خدمية حيث يتم التركيز على انتاجية وسائل الانتاج الميكانيكية أو الخدمية بما يؤدي الى أفضل استخدام للموارد والمواد وسير الاجراءات التي تؤدي الى تحقيق الاقتصاد في النفقات واختزال الوقت المستغرق ورفع كفاءة الاداء والحفاظ على نمطية العمل والانتاج .. وهناك العديد من الطرق الاحصائية والجداول البيانية وتقنيات المسار الحرج التي تحتويها تقنيات دراسة العمل لتوفير أعلى درجات الدقة وتجاوز المفاجآت واسباب الخلل التي تؤثر في دقة الاداء والنــــتائج .

أساليب أداء

2-      تقنيات الأتمتة الحديثة (ادارة التكنولوجيا ) : تتسارع الابتكارات باتجاه التفوق والارتقاء بطرق واساليب الاداء التي استعاضت في الكثير منها عن الجهد البشري لتحل محله الانظمة المتكاملة لخطوط الانتاج الصناعية أو سير الاجراءات الادارية بدخول أجهزة الكومبيوتر والروبوت وعلوم التنبؤ لحركة الاسواق والاستثمارات المالية وجداول الميزانيات التي تُعتمد كدليل لمسارات العمل من أجل الوقوف على مدى صحة التقديرات المالية في عمليات الانتاج والاستثمار مقارنة بما يتحقق من نفقات لغرض الوصول الى أفضل حالة من التوازن بينهما.

3-      معايير الجودة وتطور النوعية : لم تعد النشاطات الاقتصادية في جوانبها الصناعية والزراعية والخدمية مقتصرة على دولة دون أخرى ، بل ان التقدم التكنولوجي وانفتاح العالم وتبادل الخبرات وسياسة التقليد الصناعي واستقبال الاستثمارات من قبل الدول النامية أدى الى تداول وانتقال التقنيات الحديثة الى كافة تلك الدول لانتاج السلع والبضائع التي جعلت التجارة العالمية في حالة تصاعد ومنافسة شديدة ، حتى انها أثّرت على مبدأ التخصص العالمي الذي كان سائداً في منتصف القرن السابق باحتكار بعض الصناعات من قبل الدول الصناعية المتقدمة كصناعة السيارات والصناعات الالكترونية والاتصالات والاجهزة المنزلية المعمّرة والتي سرعان ما انتقلت الى العديد من دول العالم الثالث التي اصبحت في عداد الدول المصدّرة بعد ان كانت دولاً مستوردة لهذه المنتجات ، ولكن يبقى المعيار الاساسي بين منتجات الدول المتقدمة والدول النامية هو ( النوعية ) حيث تحتفظ الدول المتقدمة بتقنيات ومواصفات كرست لها امكانيات واستثمارات كبيرة جعلتها تتفوق على تلك التي في الدول النامية ورفعت شعار ( النوعية أولاً ) الذي أصبح يمثل الهوية الرئيسية لها في الاسواق العالمية ، والذي اتخذته اليابان ليكون صفة موثوق بها في الاسواق العالمية تمكنت من الاستحواذ على العديد من اسواق العالم من خلاله .

4-      التنمية البشرية : لقد كان للاختراعات وعمليات الاستبدال التي حصلت على بنية المشاريع الانتاجية في استخدام التكنولوجيا الحديثة الاكثر تطوراً والتي اختصرت العمل اليدوي وحلّت محل طرق الانتاج الميكانيكية البسيطة والبطيئة والتحول نحو وتائر متسارعة للعملية الانتاجية مع تطور النقل وحركة تداول المواد وتوفيرها في الوقت المناسب بحيث ان مجمل هذا التطور التكنولوجي الذي تنطوي عليه التنمية الاقتصادية لم يعد يتناسب مع المهارات البشرية السائدة التي اصبحت غير قادرة على مسايرة هذا التطور المتسارع ، الأمر الذي دعى الى نهضة جدية في تأسيس المؤسسات والمراكز التدريبية والارتقاء بمستوى المدارس والجامعات المهنية لغرض مواكبة هذا التطور لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية القادرة على مواكبتها ، وقد أصبح التدريب ضرورة ملحة بحث دعت الحاجة الى تأسيس مراكز التدريب واكساب المهارات في المشاريع الاقتصادية والانتاجية نفسها ..

جوانب فنية

 ولم يقتصر التدريب على الجوانب الفنية والتقنية بل ان التدريب الاداري أصبح هو الآخر في غاية الأهمية لما للادارة من دور حاكم في نجاح خطط العمل وانسيابية الاجراءات وتهيئة نظم المعلومات التي تساعد في صناعة القرارات .

5-      العلوم الاحصائية وحسابات الكلفة : ان البناء الاقتصادي في مختلف مستوياته سواء كان على مستوى الدولة أم شركات القطاع المختلط والخاص الكبيرة ، وحتى على مستوى الشركات المساهمة الصغيرة .. لا يمكن ان تعمل من دون أن يكون لها مجسات تتحسس بها ظروف حركة الاسواق الخارجية والداخلية ومؤشرات الربح والخسارة ومخرجات النشاط لغرض الوقوف على درجة النجاح الذي تحققه سواء في المشاريع الاقتصادية الربحية أم غير الربحية كالمؤسسات التعليمية ومشاريع الخدمات .. مما يستوجب اعتماد العلوم الاحصائية وحسابات الكلفة والميزانيات التخطيطية اساساً للتنبؤات والتخمينات المبنية على الاستنتاجات المستندة الى نظم المعلومات التي تعطي بلا شك مؤشرات يمكن الركون اليها في اتخاذ القرارات وتصحيح مسارات العمل وتعديل الخطط وتوقعات الربح والخسارة والنجاح والفشل بما يساعد على استخدام تقنيات وادوات العلوم الادارية لمعالجة حالات الخسارة والاخفاق وتعزيز حالات النجاح والربح .وتتضح من خلال ما تقدم أهمية مفاهيم وتقنيات العلوم الادارية المختلفة في نجاح خطط التنمية في كافة المجالات سواء الاقتصادية أو الادارية أو الخدمية وحتى ما يتعلق بالجوانب العسكرية والأمن القومي .