تسببت الحرب الامريكية ضد العراق في وجود فجوة كبيرة بين ادارة بوش وحكومتي كل من فرنسا والمانيا . بل امتدت الى احتدام الجدل حول استراتيجية الدول الغربية تجاه النظام العالمي الجديد . في هذا الصدد انتشرت تعليقات تفيد ان العالم يواجه خيارا صعبا بين التعددية والقانون الدولي والهيمنة الامريكية المطلقة . وحقيقة الامر انه منذ اعتلاء المحافظين الجدد سدة الحكم في الولايات المتحدة تزايدت مخاوف بعض دول الاتحاد الاوربي بسبب الاختلافات الكبيرة في الرؤى بين الطرفين . فالدول الاوربية تدرك تماما ان الادارة الامريكية الحالية في ظل هذا التيار المحافظ لديها خطط محددة تسعى الى تحقيقها بلا رادع . فهي تسعى الى الانفراد بقيادة النظام الدولي وادارته وتوجيهه بما يتفق مع مصالحها الخاصة والاعتماد على القوة المسلحة , ليس على الدبلوماسية فالادارة الامريكية ترى ان سياسة التعددية (التعاون بين دولتيين او اكثر لحل مشاكل دولية في التسعينات ), لم تكن فعالة في التعامل مع الكثير من النزاعات , وانها تؤدي الى اهدار الوقت وتصاعد الازمات , في حين ترى اوربا اعتمادها على التعددية في سياستها الخارجية ,ستكون اكثر فعالية في اعادة هيكلة العلاقات الدولية ومواجهة المشاكل في مناطق كثيرة من العالم وعليه فان معظم الحكومات الاوربية والرأي العام قد شنوا هجوما على ادارة الرئيس الامريكي بوش , واكدو اهمية التعددية كمنهج في التعاطي مع قضايا السياسية الدولية , وذلك في مواجهة السياسة الانفرادية والهيمنة الامريكية . هذا لايعني ان الاتحاد الاوربي يريد ان يصبح قطبا مناوئا للولايات المتحدة الامريكية على الاقل في المستقبل القريب , وانما يعني انه يريد نظاما تعدديا يسمح للقوى الكبرى ومنها الاتحاد الاوربي بالمشاركة في صنع القرار الدولي ويمكنها من ان تلعب دورا على الساحة الدولية بما يتناسب مع ما تملكه من عناصر القوة الشاملة . غير ان الولايات المتحدة بدت شديدة الاصرار على استغلال فجوة القوة العسكرية القائمة بينها وبين الاخرين للانفراد بصنع القرار في النظام الدولي من دون مشاركة الحلفاء مع استبعاد كل القوى المنافسة على قيادة النظام من لعب اي دور الا من خلالها وبموافقتها . ان الاختلاف الاوربي الامريكي حول النظرة الى العالم يظهر بسبب اصرار الطرف الاول على ضرورة ترجيح كافة الوسائل الدبلوماسية على الوسائل العسكرية في حل اي نزاع , او خلاف دولي اضافة الى تفضيل العمل الجماعي على العمل المنفرد من خلال الاطر والمؤسسات الدولية القائمة وخاصة مجلس الامن . ان المنهج الاحادي الجانب ليس جديدا في السياسة الخارجية الامريكية فقد اتخذت الادارة الامريكية في عهد كلينتون عددا من المواقف الاحادية مثل موقفها للتجديد للدكتور بطرس غالي , كامين عام للامم المتحدة , ورفضها معاهدة الالغام , وقامت ادارة كلينتون بحملات عسكرية في العراق وكوسوفو من دون الرجوع الى الامم المتحدة وبقصف افغانستان والسودان من دون حتى السعي الى ائتلاف دولي , ومن ثم ,فانه صحيح ان فكر الجمهوريين المؤمنين باليبرالية الدولية , بل حتى الديمقراطيين ان الولايات المتحدة تملك رفاهية اتخاذ مواقف منفردة احيانا وفق مصالحها وان ظل ذلك بالنسبة الى هذا الفريق انحرافا عن الاصل , بعبارة اخرى كان الوضع في عهد كلنتون بمثابة احادية انتقادية تمارس عند اللزوم . بينما يظل الاهتمام بالعمل الدولي المتعدد الاطراف هو الاصل . وتمت ممارسته حتى في قضايا اولتها الادارة اهمية قصوى ورفعتها الى مطاف قضايا الامن القومي مثل التجارة الدولية والبيئة , وهكذا فان الجديد الذي اتت به ادارة بوش الابن لم يكن في الواقع اختراع الاحادية في العمل الدولي وانما كان تحويلها على القاعدة لا الاستثناء بناء على العداء للتعددية من حيث المبدا . ان فريق المحافظين الجدد الذي هيمن على صنع السياسة الخارجية في عهد بوش الابن له موقف مبدئي مناهض للعمل الجماعي . صحيح انه تيار يرفض الانعزالية , الا انه لايثق في امكانية تحقيق المصلحة الامريكية عبر العمل الدولي المتعدد الاطراف . او من خلال التحالفات بل ان لهذا الفريق موقفا معاديا لليبرالية الدولية من حيث المبدا ,فهي من وجهة نظرهم , تناقض حقيقة العلاقات الدولية التي تقوم عندهم على القوة وليس المساواة بين الدول ,ومن ثم وجدوا فيها اهدارا للمصالح الامريكية.
مقالات اخرى للكاتب