زجرت الأسابيع الماضية بتقارير مقيتة عن هجمات انتحارية أخرى وأخرى بالقنابل في العراق . والتقارير هذه هي بمثابة تحذير من ان النضال ضد " القاعدة في العراق " , والمتطرفين والميليشيات التابعة لبعض الأحزاب , وسوى ذلك من أسباب العنف المدني لم يبلغ خاتمته . وكما نبه مسئولون وقادة أمريكيون على نحو متكرر , فان الوضع " هش " في أفضل الأحوال . في الوقت نفسه , العنف لم يكن مفاجئاً ولا غير متوقع كما يوحي بعض التقارير , وما يزال هناك سبب كي يؤمل بان يتمكن العراق من التقدم باتجاه الأمن والاستقرار .
الإنباء الطيبة هي ان العراقيين رفضوا حتى ألان محاولة الإرهابيين لاستغلال مختلف التصدعات التي أحدثت الانقسام بينهم , والإنباء السيئة هي ان هناك انقسامات خطرة قد يكون في استطاعة حركات مثل " القاعدة في العراق " والعناصر المتطرفة من الجانبين ومجموعات مسلحة اخرى مدفوعة من قبل دول الجوار , استغلالها . وما زالت التوترات بين العرب والأكراد مشكلة خطرة . وقد أصدرت الأمم المتحدة تقريراً قدمت فيه الى جميع الأطراف سلسلة من الخيارات , لكن من غير الواضح ما اذا كان في أمكانهم وضع حل سلمي , او ما اذا كان حل توافق عليه الحكومة المركزية سيؤدي الى قرار سلمي من جانب أولئك الذين يعيشون عملياً في مناطق نزاع وعلى امتداد الصدع العربي – الكردي .
منافسات وصراعات قوى على النفوذ السياسي والمواقع الحكومية واستغلال عائدات الحكومة , والسيطرة على الموارد النفطية وعائدات النفط , على مستوى المحلي والإقليمي والوطني . أما الأمن والسيطرة على المزارات الدينية , فاءنهما مسالة أخرى في المناطق المختلطة . وتزداد هذه المشكلات تفاقماً بفعل بطالة واسعة النطاق , وخصوصا بين الشبان , وفساد مستشري بشكل آفة سرطانية بين أضلع الحكومة والوزارات , ومشكلات في توزيع أموال الدولة , وخاصة بين المحافظات . ان المشكلة المالية المؤثرة في إيجاد وظائف عمل وفي أعمال تحسين البنية التحتية في القطاع الخاص , أدت الى ما يشبه الجمود في الوظائف الحكومية الا القليل , ولكن الانخراط في سلك الشرطة والجيش يسير على قدم وساق , ومحصور على فئة معينة وانخفاض في مستوى قطاع التعليم , الذي يمد بأموال غير كافية بحيث ان الكثيرين من العراقيين لا يملكون ألان بديلاً تعليمياً عن العمل , وان العراقيين في المدارس يفتقرون إلى كتب ووسائل تعليم حديثة .
يشهد أداء قوات الأمن العراقية حالة خيبة أمل من خلال منظور الشعب العراقي وكلام الشارع , لكنه ما يزال متفاوتاً , فما زال هناك توترات سنية – شيعية وعربية – كردية في الجيش , الذي هو القوة الأكثر فاعلية . ولم تبد الشرطة النظامية إخلاصا او جدارة في مناطق عديدة , وثبت أنها تحابي أطرافا طائفية واثنيه في مناطق أخرى . ولكن القوة الفاعلة من الجيش العراقي متمركز في بغداد وحدود بغداد لحماية المنطقة الخضراء والحكومة من الإرهاب والإرهابيين . وبما ان التصدعات في العراق أصبحت كثيرة من خلال ممارسة وايداء الحكومة لشريحة من الشعب العراقي , بشكل سيئ او طائفي , ومن خلال الاعتقالات العشوائية في محافظات السنية من قبل الشرطة الاتحادية والجيش لأبناء هذه المحافظات , والخدمات المعدومة , وعدم تعيين أبناء هذه المحافظات من خريجين وغيرهم من شباب هذه المحافظات أفادت الى شرارة الاعتصام بشكل مفاجئ , وكانت قيادة هذه التظاهرات والاعتصامات هم رجال دين،ورجال زعماء العشائر وخاصة في محافظة الانبار وصلاح الدين والموصل وكركوك وجزء من بغداد , فكانت في البداية مطاليبهم مشروعة , وكانت اعتصاماتهم بشكل مكثف ويتم تأيدها من قبل أكثر الأحزاب والمنظمات المدنية وحتى من قبل مجلس النواب . ولكن المتظاهرين في البداية اعتبروا هذه التظاهرة هي ضغط على الحكومة من اجل كسب مطاليبهم وتحقيقها .
ولكن الحكومة تباطأت تجاه هذه المطاليب , واتهمت هذه التظاهرة ما هي الا أجندة خارجية وداعمة للإرهاب , وان خطاب رئيس الوزراء نوري المالكي " زاد الطين بله " من خلال تصريحاته تجاه قيادة التظاهر والمتظاهرين , فاعتبرهم متآمرين وبعثيين وإرهابيين وطائفيين كالعادة . فتصاعدت حدة المظاهرات الى ستة محافظات نتيجة لتصريح السيد المالكي , والتظاهرات أدت الى اعتصام مدني في هذه المحافظات , وأدت الى اشتباكات بإطلاق النيران على المتظاهرين وسقوط قتلى من المتظاهرين العزل , وان إطلاق النيران يتم من قبل الجيش الموالي الى السيد المالكي ومن خلال القضية ازدادت اكثر حدة وتحولت من قضية داخلية الى قضية إقليمية . ومن خلال الاتهامات بين الحكومة ورجال العشائر تارة وبين الحكومة ورجال الدين من جهة اخرى واعترت الأحداث بسياسة التشنيج من قبل رئيس الوزراء , ثم تلتها أحداث الحويجة وغيرها , واتسعت رقعة الصراع مصحوبة بانفجارات وقتل جماعي وتفجير الحسينيات والجوامع واعتقالات من هنا وهناك , وتصدع في الموقف السياسي وشجار بين أعضاء مجلس النواب والسلطة التنفيذية , ولكن الموقف بقى على حاله بدون اي حل , بالإضافة الى التصدع بين الإقليم والحكومة المركزية . ومن هذه السياسة والتخطيط العشوائي لرئيس الوزراء ضد أبناء شعبه في الداخل وضد الكتل السياسية المشاركة في الحكومة , وضد حقوق الشعب المشروعة من جهة , ومن جهة أخرى ضد بعض الدول المجاورة تارة يصفها بالصديق وتارة يصفها بالعدو . وأصبح للسيد المالكي " ألف عدو ولا صديق واحد " .
ومن خلال هذه الأحداث الداخلية الغير مترتبة والملتزمة بالدستور أعطت الفرص لشبكة القاعدة بازدياد أعمالهم الإرهابية بداخل العراق كله من البصرة الى دهوك , سنة وشيعة وأكراد كلهم تضرروا من جراء العمليات الإرهابية , ولكن الحكومة وقوى الأمن غير قادرين على حماية المدنيين العزل من أبناء شعبهم تعني التصدعات هي ان تصاعد العنف في هذه الأشهر الماضية , ان اللعبة مستمرة وليس لها نهاية , متى ما شاء الإرهاب والمجموعة الإرهابية تسديد ضربات موجعة لأبناء شعبنا الأبرياء العزل , وهذا يعني الجهات التي تقف وراء هذه العمليات يراد فيها الضغط على الحكومة العراقية , وتوصل رسالة لأبناء شعبنا بان حكومتهم ضعيفة ومخترقة وقوى الأمن العراقي لا يحمي الشعب بل يحمي الحكومة على اقل تقدير .
ان اتجاهات العنف الاوسع في العراق تساعد على وضع الاحداث الاخيرة في نصاب صحيح , وتعزز افطار التركيز على تصاعد قصير الامد في الحوادث العنيفة والاصابات . والانماط هذه المبنية في الرسوم والجداول التالية , التي تستخدم بيانات نشرت حديثاً واتاحتها وزارة الخارجية الامريكية والقيادة الوسطى الامريكية والحكومة العراقية .
توفر الحصيلة المتعلقة بانماط العنف او تراجعه وارتفاع عدد الاصابات او انخفاضه في شهر معين , او في الاستجابة لواقع انه حتى عدداً قليلاً من التفجيرات الانتحارية المتقنة التسديد يمكنها ان تسفر عن مستويات عالية من القتلى والجرحى . لكن يجدر ملاحظة ان ليس في وسع البيانات الامريكية ولا البيانات العراقية ان تحكي القصة بكاملها .
وتظهر تقارير وزارة الخارجية الامريكية بشأن الانماط الاجمالية في الارهاب ان العنف في العراق في تصاعد خطير , لكنه مازال مشكلة كبرى . غير ان هذه البيانات هي تقديرات مرتكزة على مصادر غير سرية لا على الاستخبارات الامريكية . كما انها لا تتعدى عام 2013 ولا تغطي التطورات في الاشهر الاخيرة .
تقوم تقديرات القيادة المركزية الوسطى على بيانات امريكية رسمية منشورة لكنها تركز على العنف والوفيات المرتبطين مباشرة بالنضال ضد الارهاب والصراع الاثني والطائفي . وهي لا تحصي مجموع اعمال العنف او مجموع الذين قتلوا , وهما يتضمنان اعداداً كبيرة من الاعمال الاجرامية . وقد يفسر هذا الامر السبب الذي يجعل التعداد الحكومي للوفيات اعلى كثيراً . ان بيانات الحكومة العراقية بشأن الوفيات في صفوف المدنيين وقوى الشرطة تظهر مشكلات اضافية .
• اولا ً ,تظهر ان المجاميع الامريكية ومجاميع الحكومة العراقية بخصوص الوفيات المدنية في العراق لا تشمل كردستان .
• ثانياً , تذكر المجاميع المتعلقة ببغداد – والتي كانت مصدر معظم العنف والاصابات العراقيين الموثقين – فئة عامة تدعى " جثثاً تم العثور عليها " بالاضافة الى مجاميع المدنيين وقوى الامن العراقية . وليس واضحاً مقدار مجموع " الجثث التي تم العثور عليها او عدم تداخله مع بيانات " القتلى " من المدنيين وقوى الامن العراقية , وذكر مثل هذا الامر نقطة قيمة في بلد تكون فيه حوادث الاختفاء والخطف التي تسفر عن نتائج مهلكة جزءاً مهماً من العنف , لكنها تجعل اي تقديرات لمجموع القتلى امراً غير مؤكد .
• ثالثاً , ان تغطية العنف والاصابات في المناطق المدنية افضل من التغطية في الريف , حيث لايجري الابلاغ عن كثير من اعمال العنف . وحيث الاحصاءات المتعلقة بالمدنيين يشوبها مزيد من الغموض على نحو اعم , لا تشمل البيانات الامريكية ولا البيانات العراقية الجرحى في التقدير المتعلق بالاصابات , في حين ان التعريف المعجمي للاصابات يتضمن القتلى والجرحى , وهذا المجموع هو الطريقة الوحيدة التي لها معنى لقياس مستويات العنف . ولم يكن هناك قط رابط جلي بين عدد القتلى في العراق , او في صراعات اخرى ممائلة , ومجموع القتلى والجرحى , اما النظر فقط الى انماط القتلى , فانه في كثير من الاحيان طريقة مضللة لفهم مستويات العنف المؤثرة في المجتمع المدني ومستويات الخطر .
كما تبين بيانات وزارة الخارجية الامريكية , فان ما يفاقم المشكلة هو تبويب اعمال الخطف , والاستيلاء على املاك , والسلب والابتزاز , والخطف غير المميت , والاغتصاب , والتعذيب , والترهيب , والتهجير القسري , ومنذ اواخر 2003 , مايزال المزيج المركب من التمرد والعنف المدني الطائفي / الاثني والنشاط الاجرامي والجرائم التي يرتكبها متمردون او ميليشات مشكلة خطيرة . هذا في حين ان مسوحاً اجرتها " اي بي سي نيوز " تشير الى ان المستوى تدنى كثيراً منذ منتصف العام 2008 , لكن ليس هناك من بيانات ذات مغزى بشأن انماط العنف الاوسع تلك او بشأن تأثيرها مالم تؤد الى ابلاغ عن وجود جثة .
انها جزء كبير – وربما مهيمن – من نمط العنف من حيث تأثير اليومي في العراق كدولة . بيد ان ليس هناك بيانات سوى بيانات استطلاعات تبدأ بتقديم صورة لما يجري , وقد يكون هذا الأمر ذا اهمية خاصة في المستقبل اذا لم يؤسس العراق حكم قانون أكثر نجاعه مما هو عليه حتى تاريخه . وحتى لو انخفض مستوى التمرد والعنف الطائفي والاثني بصور جدية , فان في إمكان مستويات بطالة الشباب والبطالة الإجمالية – وهي مستويات عالية جدا ... ان تؤدي إلى مستويات عالية من العنف المدني غير المرتبط بأنماط الصراع الماضية .