كان المفترض و بعد عملية التغيير التي حصلت في العراق عام 2003 على يد أمريكا و حلفائها أن يتم التأسيس لدولة مدنية خصوصا لما يحظى به العراق من مقومات بناء الدولة المدنية من موارد اقتصادية و بشرية و طاقات و كفاءات أكاديمية مستعينا بما تعيشه اغلب دول العالم من تجربة مدنية .لكن ما حصل مباشرة هو دخول الإسلام السياسي المتطرف على الخط و الذين استغل الديمقراطية القشرية و واقع الشارع العراقي وردة فعله العكسية تجاه نظام صدام الدكتاتوري ليتصدر المشهد السياسي و يتم إقصاء الخط المدني .و كان للسيستاني و عبر منظومة مترابطة من المعتمدين و الوكلاء و أحزاب دينية و بدعم إيران السطوة الكلية . تلك السطوة تمثلت بمسلسل من الانتكاسات السياسية التي دفع ولازال يدفع العراق و شعبه ثمنها ,ابتدأت تلك الانتكاسات من خلال مصادرته لإرادة الشعب و حريته بالاختيار و التحكم به من خلال سوط الفتوى الدينية بوجوب المشاركة بالانتخابات و انتخاب القوائم الشيعية الكبيرة و التصويت لصالح الدستور و التي حصلت كلها في ظرف سنة واحدة لم يكن الشعب العراقي الذي خرج للتو من قبضة نظام دكتاتوري و يعيش تحت حراب احتلال قادرا على اتخاذ رأي فيها بهذه السرعة و لم يترك للفعاليات السياسية و الثقافية والاجتماعية و الأكاديمية العراقية بمختلف توجهاتها المجال الكافي لإبداء الرأي تجاه الانتخابات و الدستور , و اختتمها ببيع الموصل و فتوى الجهاد الكفائي . ومنذ ذلك التاريخ و حتى اليوم تم اختزال رأي الشعب و إرادته و حريته و تغييب و إقصاء التوجهات المدنية و الكفاءات و النخب التي حاولت قبل و بعد سقوط نظام صدام انتشال العراق من واقعه المرير ,تم إقصائها من قبل السيستاني من خلال منبره الإعلامي في كربلاء الذي يتحكم به سماسرة السيستاني عبد المهدي الكربلائي و احمد الصافي و تم قيادة الدولة بطريقة دينية فاشلة . و من الملاحظ أن تدخلات السيستاني في العمل السياسي في العراق بمختلف مراحله امتازت بصفتين متلازمتين الأولى هو استخدامه لطريقة الفتوى الدينية و ليس تقديمه لبرامج سياسية أو اقتصادية متكاملة تشخص المشاكل و أسبابها و تقدم لها الحلول العلمية , و الثانية أنها موجهة و ملزمة للشعب و تصب في مصلحة السياسيين و أحزابهم الفاسدة ابتداء من فتوى وجوب الانتخابات و انتخاب القائمة الشيعية الكبيرة و التصويت لصالح الدستور و انتهاء بفتوى الجهاد . و بنفس الوقت لم يستعمل السيستاني سوط الفتوى ضد الحكومة و أحزابها رغم ما يتظاهر به من امتعاض من سياستها و فشلها و اكتفى ببعض الإجراءات الشكلية من باب حفظ الوجه أمام الشعب الذي هو ضحية سياساته الفاشلة من خلال مخاطبته للحكومة بصيغة الطلب و الالتماس و الدعوة و كذلك استعماله لسياسة غلق الباب بوجه السياسيين. و أخر ما ابتدعته عقلية السيستاني و بعد أن ورط الشعب العراقي و مكن أحزاب السلطة من تعميق جذورها و تعزيز إمكانياتها السياسية و الاقتصادية و حتى العسكرية من خلال تشكيل كل حزب لمليشيا أو فصيل مسلح تحت ذريعة تلبية فتوى الجهاد ,فقد أعلن وعلى لسان بوقه احمد الصافي في خطبة الجمعة من الصحن الحسيني يوم 4/2/2016 ابتعاده عن الخطاب السياسي في صلاة الجمعة و اقتصاره على الخطاب الديني الكلاسيكي و الذي مهد له قبل جمعتين من خلال خطبة (بح صوتنا) .هذا الإجراء هو الأخر جاء لصالح السياسيين و اعتبره الكثير من الناشطين المدنيين و مواقع التواصل الاجتماعي بأنه هروب من المواجهة و رفع الحرج المستقبلي عن اتخاذ مواقف تجاه ما تشهده الساحة الدولية و الإقليمية من تغيرات سريعة و انقلاب في موازين القوى لصالح التحالف العربي و الدولي على حساب تراجع التحالف الإيراني – الروسي الذي كان السيستاني و الأحزاب الدينية و مليشياتها جزء منه .و بنفس الوقت هو تمهيد لانقلاب مواقف السيستاني لصالح الطرف القوي في المرحلة القادمة و منهج التحول في المواقف ليس بجديد على السيستاني بل انه يجيده وبجدارة وكما حصل في تحوله مابين نظام صدام و الاحتلال الأمريكي وإيران.
مقالات اخرى للكاتب