تذكرت في الحقيقة خالي المرحوم بهجت الذي قتل في معارك مع حزب العمال الكردستاني، وانا استمع للقتال الذي نشب بين الاخير من جهة وبين البيشمركة التابعين للحزب الديمقراطي المتواجدين في سنجار. استمعت الى الفضائيات التي نقلت اخبارا ضبابية عن قتال واتفاق على هدنة، ثم توالت المواقف المستنكرة لوجود قوة مسلحة في سنجار غير شرعية وترعب المواطنين على حد تعبير الناطق باسم حكومة الاقليم. وعند سؤاله عن دعم فصيل كردي لحزب العمال، نفى الناطق الرسمي لحكومة الاقليم هذا الدعم، واكد استنكار القوى الكردية كلها لتواجد افراد من حزب العمال في اي مكان من العراق.
كل هذا جيد ورائع لانه محاولة لافهامنا ان هناك موقفا واضحا مما جرى. لكن هل سيصدق شخص مثلي يعرف جيدا معنى كلمة المصالح، واثبات الوجود، وعدم التفريط بالحقوق المشروعة، كل ما قاله السيد الناطق باسم الاقليم.
ان كل ما سمعته من الناطق الرسمي كان عبارة عن خطاب لبث الثقة التي تريد ان تلتقط انفاسها من خلال هدنة مدتها 24 ساعة لتصمت البنادق الكردية- الكردية من اجل عدم سقوط ضحايا. هذا جيد ستصمت، لكن «داعش» ما زال موجودا على الارض ورغبات القتل تعتمل في الصدور. وربما من الافضل الاشارة الى ان مرحلة ما بعد «داعش» كما يسمونها بدأت بين قوتين كلاهما تحمل الدم نفسه. لكنهما تتعارضان الى حد الاقتتال. يا لها من مشكلة لا احد يفهمها. اذن دعوني افسر وجهة نظري.
يعتقد اي قومي انه كائن متميز مكتمل وله حق مشروع. في اي مستشفى سيهتز الانسان الكردي اذا سمع اسما كرديا او سمع احدهم يتحدث باللغة الكردية. اتعلمون ما الذي سيحصل؟ سأقول لكم لاني عشت هذه التجربة بنفسي كوني عضوا في القومية الكردية التي وجدت نفسي في داخلها كما وجدت حبة الزيتون نفسها داخل القشرة المزيتة. يحس العقل بألفة للغة التي تغذى عليها اعواما طويلة. هذه نظرية الطرد والجذب. العقل يطرد ما يختلف عنه ويجذب ما يوجد فيه.
في العقل الكردي توجد اللغة والحكايات، وطعم اللوز الحلو، واللبن المشبع برائحة العشب الجبلي، ويوجد ماء النبع العذب السلس، وعناقيد العنب، ورائحة التين قبل اوان نضجهن، وحلاوته بعد نضجه.
يوجد في العقل الوفر الذي ينزل كالندى, ويلون الجبال بمئزر ابيض يشبه بياض ثياب موسم الحج. توجد القرى التي تنتج طعامها.
ان العقل يصنع من اشيائه الموجودة، لذا هو يحس بالامان والمتعة في اي مكان يلتقي فيها بنفس الذخيرة الموجودة فيه. هذا ينطبق على اي انسان ومن اية قومية كان او طائفة. سينجذب العقل الكردي الى ما يشبهه, وقد ينفر او يتعامل بدبلوماسية مع العقول التي فيها اشياء مختلفة. لكن كيف حدث القتال في سنجار والعقل فيه اشياء مشتركة عند الطرفين. هنا تدخل عنصر جديد هو الانا والرغبة في فرض السيطرة.
يا لها من نكبة قومية وانسانية ذهب خالي ضحية لها.
مقالات اخرى للكاتب