استقالت وزيرة التعليم الالمانية، ليس لانها غير جديرة بمنصبها او انها اختلست او تلقت رشوة او ارتكبت جرما او تقاعست في عملها. السبب ببساطة لان الجامعة التي منحتها درجة الدكتوراه قبل اكثر من (30) عاماً قررت بعد مرور ثلاثة عقود سحب الدكتوراه لاكتشاف نواقص في الاطروحة وعيوب جعلت مجلس لجامعة (دسلدورف) تقدم على هذه الخطوة.
لم تقل الوزيرة ان القرار مسيس ولم تقل ان الاعلام اتخذ منها موقفا كيدياً، ولم يصدر عنها سوى تصريح بحقها في مراجعة الموضوع من خلال القضاء وهذا حق يكفله القانون الالماني لكل انسان صدر بحقه قرار.
الاستقالة ثقافة وتربية وجرأة وموقف يعكس ايمان المستقيل بالحق والقانون وهذا ما كان معمولاً به في العراق طوال الحكم الملكي، اما الان فالاستقالة غدت اهانة وانتقاص للشخصية وشيء اشبه بالشتيمة، لذلك غدا المسؤول العراقي لا يقدم عليها واذا اقيل يعتبر القرار تسيسياً وموقفاً برأيه، والسبب إن ثقافة الانا والنرجسية الفاقعة ورغبة مواصلة الاستحواذ على الامتيازات والاهوال والصلاحيات متأصلة فيه، والسبب الثاني ان الكثير من المسؤولين لا يملكون تأريخا يسعفهم او مواقف نضالية ومهاماً فكريةً تعينهم على البقاء في واجهة المجتمع، فالشئ الوحيد الذي يبقيهم في الاعلام اسمأً يتردد بين حين وآخر كخبر وصورة هو منصبهم الذي جاء دون مراجعة او تأني او تمحيص في اغلب الاحيان . فأذا تخلى عن منصبه ينطفئ في عيون الناس ويصبح رماداً تذروه الرياح.
رسالة اخرى ابلغتها المسؤولة الالمانية رفيعة المستوى للسياسيين العراقيين الرفيعي المستوى منصباً والضئيلي المستوى ثقافياً واكاديمياً لان الكثير منهم يحمل شهادة مزورة في غياب القانون والمساءلة ، او انه يحمل دكتوراه عبثية بالمراسلة من جامعة اهلية غير معترف بها واطروحة مكتوبة من قبل اخرين بثمن مقدم له سلفا أو، وهذا شائع في العراق، ينتحل صفة دكتور امام التلفزيون والاعلام ليصبح بمرور الزمن حاملاً للقب الدكتوراه الذي تحول الى لقب للوجاهة الاجتماعية اكثر منه مؤشرا لجهد وتعب ومثابرة، فالقول الجميل (من طلب العلا سهر الليالي) لم يعد معمولاً به على الاطلاق لدى هؤلاء المتسلقين المنتهزين للفرص السارقين للالقاب العلمية في وضح النهار.
انها ظاهرة اكثر من غريبة على الجامعات العراقية مواجهتها بقرارات حاسمة ونعني شيوع حاملي لقب الدكتوراه في العراق الى الحد الذي اصبحوا بالالاف مما تسبب في هبوط المستوى التعليمي والاكاديمي الجامعي في العراق ، وغدت معه الجامعات العراقية في الدرك الاسفل حين تقارن بالجامعات الغربية.
لقد اثبت الوسط الاكاديمي الالماني مرة اخرى انه جدير بالاحترام والتقدير والاعجاب اللامتناهي، واثبت انه مؤهل وكفوء ومسلح بكل ما يجنبه التعثر والتلكؤ، مثلما أكد قرار سحب الدكتوراه من وزيرة التعليم الالماني ان المجتمع الالماني حاله حال المجتمعات المتحضرة كلها في العالم غير خاضع الا لسلطة القانون والمعايير الاكاديمية العريقة. فهل قرأ حاملو الدكتوراه المزورة من العراقيين او اللذين اشتروا اللقب بمبالغ مالية للحصول على منصب ما، نقول هل قرأ هؤلاء هذا الخبر وإن قرأوه فهل اصابهم وخز الضمير؟.
شكرا لوزيرة التعليم الالمانية وعلى قرار استقالتها الذي يعتبر موقفاً حضارياً بكل معنى الكلمة وبهذه المناسبة ندعو الجامعات العراقية لتقف وقفة شامخة وتفضح وتعري كل حاملي لقب الدكتوراه بدون وجه حق من العراقيين، وبذلك تكون خدمت المستوى العلمي في بلد يعاني ويتمزق ويتراجع ولا سبيل لوقف كل ذلك الا بترك خطيئة السكوت والصمت واللجوء لفضيلة فضح الفاسدين، ومنهم كبار الفاسدين سارقي الدرجات العلمية.
مقالات اخرى للكاتب