لست من الذين يلتقون بالسياسيين العراقيين. مع ذلك أستطيع أن أخبركم بأنني التقيت خلال السنوات الماضية بعدد منهم، وفي مناسبات مختلفة، على أنني التقيت قبل يومين بزعيم كتلة سياسية، مصادفة، وهالني أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من "مجهول"، وبعد اغلاق خط التليفون بدقيقة، تلقى المسؤول رسالة نصية، كانت فيها جملة واحدة: تحالف مع...
موضوعا الاتصال التليفوني والرسالة النصية كان واحداً. هكذا قال الرجل. وأضاف: يريدونني أن أغير تحالفاتي وإلا.. ولم يكمل جملته. لم اتدخل في الموضوع، فلقد كان يتحدث مع شخص آخر في المكان نفسه. ولكنني ذهبت في خيالي بعيداً.
الساسة عندنا يتم تهديدهم باستمرار. ومصادر التهديدات مختلفة ومتنوعة، منها تهديدات حكومية، وأخرى من قبل الجماعات المسلحة. وهنالك تهديدات من قبل الحلفاء. وتهديدات من قبل دول الجوار التي تتدخل في الشأن العراقي، وأيضاً من قبل القوتين الأبرز اللتين تتحكمان في ملفاتنا السياسية والأمنية على حد سواء. ماذا يفعل هؤلاء؟
تصوروا أن السياسي في بلادنا لا يستطيع أن يتحالف وفق قناعته. تخيلوا أنه إذا ما أصرّ على خياراته الشخصية فإن تهديدات بالقتل تواجهه، وبالطبع ثمة نوعين من القتل: القتل الرمزي والقتل المادي. وربما تكون الأولى أشدّ ضرراً من الثانية، وقد مورس القتل الرمزي مع عدد لا بأس منه من سياسيينا، مع أننا لم نعرف إلى اليوم هل هؤلاء يستحقون فعلاً الذي مورس ضدهم من قتل رمزي أم أن ما حصل لم يكن سوى مكائد سياسية خبيثة؟
وإليكم المثال الآتي: تم اتهام أحد السياسيين العراقيين البارزين بأنه كان وراء قتل شرطي مرور في مدينة الشعب، وقتل ممثل تلفزيوني، وزرع عبوة ناسفة في الكرخ. هذه التهم غدت حقائقاً قارّة. السياسي المعني فرّ من البلاد قبل أن يتم القاء القبض عليه. وظل يكرر انه بريء من التهم المنسوبة إليه، على أن الطرف الحكومي ظل يصرّ، هو الآخر، على أن التهم ثابتة عليه بالدليل والقرينة. هنا نحن أمام قتل رمزي. فالسياسي الذي أتحدث عنه تم قتل مشروعه بالكامل، وبالتالي لن ينهض من القبر الذي حفر له إلا بمعجزة. لست بصدد الدفاع عن هذا السياسي بعينه، ولا تبرئة الأول، الذي ذكرته في أول المقام، بل لست في وارد الدفاع عن ساسة اليوم بمجملهم، على أن ما يهمني في القصة هو في حياتهم الشخصية التي نادراً ما يعرف الجمهور تفاصيلها. الكثيرون منا يتوقون لمعرفة أن يقضي المسؤول العراقي مساءاته، من هم أصدقاؤه، من خارج الوسط السياسي، وكيف يتعامل مع ابناءه وعائلته؟ كثيرون منا يظنون أن الضغوطات التي تمارس على السياسيين تأتي من طرفين: الجمهور والتدخلات الاقليمية والدولية، ولكن الصحيح أيضاً هو أنهم مهددون من بعضهم البعض، بل أن تلك التهديدات، فيما بينهم، تصل حد التصفية الجسدية. السؤال أخيراً: لماذا ساستنا فقط مصابون بهذا الداء دوناً عن ساسة العالم؟
مقالات اخرى للكاتب