الى الان لم يستوعب السلطان التركي في الباب العالي ما يمر به من منعطف حاد في الوضع السياسي بعد سقوط الطائرة الروسية والخطوات الذي اتخذها الدب الروسي بشأن تركيا ,, لم يفعل الروس اي أمر يذكر سوى بعض الاجراءات البسيطة التي هي بداية لعمليات أكبر تجعل من السلطان العثماني يستيقظ من نشوته التي جعلته المدلل الاول في القارتين الاوربية والآسيوية والذي على اثرها صار يلعب (بالبيضة والحجر ) ويسن للعبته هذه قوانين ليس من اصل اللعبة تارة مع حلف الناتو وهو يطالبهم بالتعويضات والأموال والتهديدات واخرى مع جيرانه من دول اليونان وقبرص ويصول ويجول فيها متجاوزا كل قوانين واعراف الجوار وأخرى مع مع دول الجوار الاسيوي وهو يبتز دول الجوار مثل دول الخليج وسوريا والعراق وحتى الدول الاسيوية الاخرى ولم يقف بوجهه احد ..
الان بدأ الزعيق العثماني يهدا رويدا وهو يرى أن الوضع السياسي ليس لعبة لكرة القدم كما كان الكابتن اردوغان يلعبها في أحدى الفرق التركية بل اصبح مصيرا وتهديدا ووعيدا لينهض من متكئه ويضع العمامة السلطوية على فراش السلطان لم يكن يعتقد ان الامور ستسير مسرعة نحو تلك المسارات الغير متوقعة ذاهبا بعيد في أحلامه ليجد ان الناتو الاوربي يبتعد عنه وأن الدول الحليفة هي الاخرى ترى في الوقوف بوجه القيصر مضيعة للمصالح ولا ياتي الا بوجع الرأس ولها تجربة غير ناجحة في فرض الحصار على موسكو بعد أحداث اوكرانيا لكن فشلت التجربة ..
اذن وحسب المصادر ان الروس بدأوا بتنفيذ بعض او النزر القليل مما يريدوه واهم تلك الاجراءات هو التجارة بين البلدين وخاصة تجارة الخضر والفواكه التي وجد الاتراك في ليلة وضحاها لم يستطيعوا التصرف بكل هذه الخضر والفواكه لتملأ الاسواق وتباع في اسطنبول وأنقرة بأسعار للاستهلاك المحلي البخسة وبعضها يرمى في القمامة وكذالك في سوق الملابس والقماش ايضا فأن الاسواق التركية افرغت من التاجر الروسي ولم يتبقى الا بعض التجار الافارقة والعراقيين وهم فقراء ايضا لايشترون الا البضاعة الرخيصة ,, لم تعمل روسيا شيئا فقط قامت بتطبيق التعليمات الرقابية على منافذها وحسب المواصفات التي وضعتها التجارة والصحة الروسية للبضائع الداخلة وحصل الذي حصل ..
من هنا يتبين ان الروس يعرفون كيف يلعبون اللعبة صحيحا ويعرفون ان الاقتصاد اقوى من السياسة لذا اتخذوا الخطوة الاولى وأعادوا سمة الدخول وأوقفوا السياحة الى تركيا واليوم هم يوقفون التفاوض على انبوب الغاز الروسي المار بتركيا (تركش ستريم )والذي يزود تركيا بالغاز على المدى الطويل ومنه الى أوربا ,,بل ان الروس ذهبوا بعيدا وهم يقلبون اوراق الماضي ليعيدوا حساباتهم ببعض المعاهدات والاتفاقيات في حقب الدولة العثمانية والاستالينية وهم يهددون الاتراك بإعادة النظر بمعاهدة (موسكو قارص ) عام 1921 التي تجددها روسيا كل 25 عاما وبموجبها حصلت تركيا على مدينة قارص الارمينية وجبل ارارات واردهان واضح من هذه التحركات الاقتصادية انها ليست الوحيدة فقط بل أن روسيا تلوح بالذهاب لتبويب المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة وبموجبها يحق للدول فرادى او مجتمعة الحق بالدفاع عن حدودها واجوائها في حال تعرضها لأي تهديد خارجي ويعتقد الروس ان اسقاط الطائرة من قبل تركيا يمكن بموجبها الذهاب الى مجلس الامن كذالك لأستحصال الموافقات او التأييدات او الشروع هي بمفردها للتعامل مع التهديد التركي في حال عدم اعتذار تركيا لروسيا من حادث اسقاط الطائرة في داخل الحدود السورية بالإضافة الى كل هذه التحركات الروسية فأن روسيا بدأت تعمل وتسخر الجانب الاعلامي لفضح الحكومة التركية التي تسهل وتساعد عصابات داعش وتهرب النفط العراقي والسوري وشراءه بأسعار قليلة لتمويل الاعمال الارهابية لداعش في الدولتين الجارتين لها ..
كل الذي فعلته روسيا هو التحرك الاقتصادي وايقاف تدفق المليارات القادمة من روسيا الى تركيا والحقيقة ان قوة الحكومة ووقوف كل الاطراف والاحزاب خلف هذه التحركات الحكومية وتخويلها بصدق ووضع المصلحة العامة للدولة موضع الاحترام والالتزام هو من يعطي النجاح لحكومة بوتين بالقضاء على الارهاب وايقاف الغطرسة التركية والتشمخر التركي والاستقواء الفارغ على حساب الدول الجارة لها وشعوبها المنكوبة ..
بالتأكيد هناك مشتركات ومشابهات اقتصادية بين العلاقة الروسية التركية وبين العلاقة العراقية والتركية وأهم هذه المشتركات أن العراق يعتبر هو الاخر الساحة التجارية والاقتصادية لتركيا فالتجارة بين البلديين تتجاوز الثلاث مليارات سنويا من استيرادات للمواد الغذائية والالبسة والخضر والفواكه ومواد البناء وكذالك مرور انبوب النفط العراقي داخل الاراضي التركي وايضا الاعداد الهائلة من المسافرين العراقيين اليها للسياحة والتطبب ربما يعادل ما يقوم به الروس او قد يتجاوزه في بعض الاحيان هذه العناصر الاقتصادية التي هي اقوى واكثر تأثيرا على الاقتصاد التركي وزعزعة لحكومة التركية في حال ايقافها والتهديد بها او على الاقل تنفيذ الدقة ومراعاة تطبيق قوانين الصحة والسلامة على المنافذ الحدودية التي تسمح للبضائع التركية بالدخول او رفع اجور السفر او منعه وايجاد بدائل وكذا الحال بالنسبة لأيقاف تدفق النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي وتوحيد المواقف العراقية يجعل من تركيا جار صديق يهتم بمصالح الجوار مع العراق مثل اهتمامه بمصالحه ,, ممكن الشروع بتطبيق هذه التهديدات في الايام القادمة اذا ثبت ان تركيا تساهم في زعزعة الامن والسلم العراقي وتساند عصابات داعش ضد جارتها العراق .
معلوم هناك الكثير من نقاط القوة التي يمكن للعراقيين استغلالها من أجل ايقاف المارد التركي واستمرار تجاوزاته على العراق ومنذ اكثر من عشر سنوات لكن من الواضح ان الحكومة العراقية لا تستطيع العمل والدخول في هذه المعركة الاقتصادية لاختلاف الرؤى بين الفرقاء السياسيين في الوطن الواحد وتغليب المصالح الشخصية والفئوية على مصالح الوطن الواحد وتغلغل وبوضوح بعض الاجندات الخارجية على فكر السياسي العراقي يجعل التقاطعات واضحة على السطح وتوقف عجلة القوة وإيقاف مسيرها نحو تلك التحركات .
مقالات اخرى للكاتب