كثيرا ما سمعنا ، بان وزير الداخلية الحالي ،سيخوض حربا على الفساد ،وانه قد وضع هذه الآفة على درجة واحدة من اولوياته مع الأرهاب.. واستبشرنا خيرا بالوزير الغبان واولوياته. غير ان حساب الحقل شئ وحساب البيدر شيئا أخر . ولعل احد اسباب تغيير اولويات الوزير، هو ان جميع دوائر الداخلية يشغلها الفاسدين او المتسترين عليهم. فبمن يستبدل الوزير من يريد استبعاده؟ وتلك مشكلة لاحل لها ،اذا ما نظرنا اليها بعين واحده، لكن يظل هناك التجريب، وهو الاستعانة بالمعاونين الى حين التقاط من لا يشك بذمتة من بين العاملين في الوزارة او من خارجها. ولما لم يحدد الغبان مواقيت استبعاد الفاسدين ،واكتفى بمناقلات ترقيعية ،ظل الحال كما كان عليه، قبل تولي الوزير الجديد مهامه. ولكن هناك من يحاجج بان الغبان كان مقيد اليدين ولا يستطيع اجراء تغييرات جذرية ،لان المالكي يضغط على العبادي، والاخير بدوره صار يضغط على الغبان كي لا يستعجل، ويترك للزمن فرصة التغيير. وقد يكون هذا صحيحا، لو كان هناك من يخطط للتغيير فى المستقبل المنظور.
ويمكن القول ان الاوضاع الامنية المضطربة، قبل التغيير الوزاري وبعده، قد اعطت لكبار الفاسدين في الداخلية فرصة لمّ الصفوف وترصين الجبهة المعادية للاصلاح. بعد ان اطمأنوا الى ان الكل غارق في مشاكل الارهاب وتداعياتها، وانه ما عاد هنك من يحتك بهم.
منذ تسنمه رئاسة الوزراء ، والعبادي يعتمد سياسة التأني في معالجة المشاكل الموروثة والمستحدثة .على امل ان يسعفه الوقت بفرصة تمكنه من البطش بـ(الاخوة الاعداء) وتابعيهم من الفاسدين، الا انه يبدو غير مكترث لما يفعله(الاخوة) من هدم لنظام الدولة ومؤسساتها. وقد لايطول الوقت حتى يرى نفسه رئيسا للوزراء من دون وزراء ، وقائدا للجيش والشرطة بلا جيش وشرطة، وقد انهارت مئسسات الدولة الاخرى من مجلس نواب ومجلس قضاء والهيئات المستقلة الاخرى. وبوادر هذا الحال صار بالامكان رؤيتها للجميع باستثناء العبادي. فقد كان ذلك واضحا على اداء مؤسسات الداخلية، قبل غيرها، فالانفلات الامني لايحتاج الى شهود موثوقين ولا الى دليل ،وصار الناس يطلقون على منتسبي الداخلية مصطلح الاخوة في الفساد ،بدلا من الاخوة فى الوطن او الدين . وتفشى الفساد فى جميع دوائر الداخلية من الشرطة المحلية الى الجنسية والجوازات والاحوال المدنية الى المرور الى استخبارات الداخلية ،وحتى المفتشية صار المواطن لا يثق بنزاهتها، ويتردد اكثر من مرة قبل ان يشتكي اليها او يبلغ عن حالة فساد عرفها.
هذا الهدم الممنهج والمتعمد لم يبقي مثقال ذرة من ثقة المواطن باجهزة وزارة الداخلية ،الامنية منها على وجه الخصوص. ومع ذلك ،ما يزال الوزير الغبان منشغلا عن انهيار مؤسسات وزارته الامنية ، مشغولاً عنها بمحاربة داعش ،وقد يكون له حق في وضع اولوياته ،لكن ما يؤخذ عليه هو احجامه عن تعيين الشخص المناسب الكفؤ والحريص والمخلص نائبا له لادارة ملف مكافحة الفساد المتفشى في االمؤسسة الشرطوية، ليتفرغ هو بكل جهده ووقته لمكافحة الارهاب ،بينما يتفرغ نائبه ،بعد منحه صلاحيات معقولة لمحاربة الفساد.
واذا كانت سياسة التأني التي يعتمدها العبادي تمنع الغبان من تعيين نائبا كفؤاً ونزيهاً، فما اظنه (اقصد الغبان)بحاجة الى منصب وزير لا ينفع او يحمي به اهله وشعبه.لانه، اي الغبان ،ابن خير ،((شايف وعايف))،كما يقول العراقيون.
مقالات اخرى للكاتب