يوم (5/4/2014) وفي قاعة منتدى (بيتنا الثقافي) كنا مع واحدة من سيدات الزمن الجميل للحديث عن تجربتها الفنية الغنية والثرية بالعمل والسياسة والمنجز الوطني والاجتماعي , ولشرح سيرة ذاتية هي بمثابة المشي على خطوط النار وضمن حقول الموت والتنقل بين السجون والمنافي . انها الفنانة القديرة (ناهدة الرماح) احدى رائدات الفن المسرحي في العراق .
في الندوة اشتعلت الفنانة كلاما ً وضوءاً وعنفوانا ً , ومعها اشعلت القاعة المكتضة بالاعجاب والتصفيق والمشاركة الوجدانية لكل كلمة تخرج من فمها فتتحول الى شمعة تنير القاعة . تكلمت (ناهدة الرماح) عن بداياتها الاولى التي كانت خطوات على ارض خضراء وصلبة , ورسالتها التي جسدت فيها جمال الفن وأناقة الأداء وقوة الموهبة إضافة الى القيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية التي لابد ان تكون هي هدف اي فن وعمل خالد .
اصطدمت الفنانة بالسلطة الدكتاتورية وبالنهج العنصري اللاديمقراطي فدخلت السجن بعد انقلاب شباط الاسود في عام 1963 والسبب أنها اختارت الوطن والشعب وليس الخنادق الحزبية الضيقة , فكيف اذا كان هذا الخندق من الأساس مسموما ً برائحة الموت والدمار والعدوانية .
منذ ذلك الحين بدأت الفنانة القديرة مسيرة فنية وسط غابة من الأشواك بعيدا ً عن مناطق النفوذ والسلطة وقريبا ً الى حد الذوبان في مسامات المجتمع , وبمنأى عن سطوة المال وإغراءات الحياة بهدف ترجمة معاناة البسطاء والفقراء الى رسالة بالغة المغزى على خشبة المسرح .
ان (ناهدة الرماح) بحياتها وقيمها وفنها وبساطتها ثروة لهذا الوطن ونموذج رائع لشخصية حياتها وفنها صنوان لا ينفصمان , لهذا احبها الناس حيث حلت .
في الندوة قدمت مجموعة مقاطع مسرحية لأهم الاعمال التي مثلتها ولاسيما (النخلة والجيران) و (القربان) التي كانت فيها على موعد لتفقد بصرها ولكن لتصبح كما رددت : "انا فانوس لكم جميعا ً" .
كانت تلك لحظات ستبقى في المشهد الفني العراقي وفي تاريخ المسرح العراقي محفورة بقوة , فهذه الشجرة الباسقة فقدت البصر وهي تؤدي الدور ولكنها استمرت رغم ذلك مقدمة ً نموذجا ً فريدا ً للتحدي والإرادة التصميم على مواصلة رسالتها في الحياة ... والسبب بسيط جدا فأنها مع فقدان البصر اكتسبت بصيرة ثاقبة . وما اكثر العميان من حولها وهم ذوو بصر وما اقل من يملك مثلها بصيرة مشعـَّة وحافلة بالضوء والنور الذي يبهر الحياة .
مقالات اخرى للكاتب