الشحاذة (الجداوة) قد تعتبر مهنة مثل بقية المهن . ولا تخلو دولة من دول العالم من هذه الحالة او الظاهرة ، او المهنة ، كما قلنا . ولكن كل دولة تتباين عن سواها بطريقة او بأخرى في التعامل مع هذه الظاهرة . بعض الدول الاوربية يقف الشحاذ على قارعة الطريق وهو يعزف على آلة الكيتار . اما في الدول العربية فالأمر مختلف جداً . فمنهم من يأتي الى احد قبور الاولياء ، فيجلس القرفصاء ، وينده على المارة ويقسم عليهم بحق هذه الولي ان يجودوا عليه بما رزقهم الله ، وبعضهم يغير هيئته وكيانه ، كأن يدعي انه اعمى او معوق ، ليستدر عطف الناس ، والبعض يفعل غير ذلك . لكن حقيقة ان اي بلد لا يخلو من المحتاج الحقيقي الذي هو بالفعل متعفف ومقطوع فيه السبيل . حتى اختلط على الناس الحابل بالنابل كما تقول العرب .
ولعل السينما العربية ، وبالخصوص المصرية منها قد عالجت هذه الظاهرة اروع معالجة ، من خلال فيلم (الشحاذ) الذي لعب فيه دور البطولة الفنان الكبير عادل امام . فقد سلط هذه الفيلم الضوء على هذه الظاهرة ، وبين من خلال الاحداث بان هناك مافيات تستغل طيبة وسذاجة وعوز بعض الناس ، فتصطادهم في شباكها ، حتى ينخرطوا في هذه المهنة ويدخلوا القبو الذي لا يمكن الخروج منه . وان ظاهرة الشحاذة ليست وليدة اليوم او الامس ، بل انها ضاربة في عمق التاريخ .
وفي عهد النظام السابق كانت الناس تخاف الشحاذ وتهابه ، كون الدولة زجت بعض من الوكلاء فراح يعمل في جهاز المخابرات يجمع المعلومات فيبعث بها الى دائرته . وهذا معلوم لدى الجميع .
وبعد سقوط النظام بيّن الخيط الابيض من الخيط الاسود ، وظهر الصبح لذي عينين وصرنا نرى كثير من الناس من يمتهن هذه المهنة ، في تقاطع الشوارع والساحات العامة ، وقرب اضرحة الائمة والاولياء .
وهنا الامر يقع على عاتق الدولة ، لكونها لم تعالج هذه الظاهرة ، بل طبلت وزمرت لها ، لماذا لم تخصص لهؤلاء الفقراء والمحتاجين مرتبات ؟ ، وتسكنهم في دور واماكن تحفظ بها كرامتهم ؟ ، ولاسيما كبار السن منهم . كونهم عراقيون ولهم حصة من النفط الذي تبيع منه الدولة العراقية آلاف البراميل يومياً ، ولا ندري الى اين تذهب هذه الاموال ، بل الحقيقة ندري ، ولكن (للحيطان آذان) ، لكن الشعب العراقي لا يخاف اليوم هذه الآذان ، لأنها في الحقيقة صماء ومتهمة بالفساد والسرقة (عينك عينك) وبحسب المثل (ماكو زور يخله من الواوية ) بل اقول هذا هو زمن الواوية ، لكن الشحاذين اشرف من الواوي الذي يسرق قوت الشعب . ولا بد لليل ان ينجلي .
مقالات اخرى للكاتب