(اكعد بالشمس لمن يجيك الفي ) مثل من امثالنا الشعبية الاصيلة التي تضرب في كثير من المواقف ، ولها مغزاها ومعناها ، وهي لم تأت اعتباطا او عن فراغ ، قطعا لا ، بل هي خرجت من صميم الواقع الذي مر به المجتمع العراقي ، من ظروف لا يحسد عليه ولا زال يمر بنفس المصير والظروف غير الطبيعية . وهذا المثل الذي اخترناه في هذا المقال يعالج واقع سياسي والاجتماعي ، وربما ايضا امني وخدمي ، ويأتي على مقياس الديمقراطية التي اوجدتها مدينة اثينا ، (خلف الله عليها) ، فالسياسي الذي تسلط على رقابنا منذ عشر سنوات ونيف ، اجلس الشعب طيلة هذه السنوات المنصرمة بشمس الخديعة والكذب والتدليس والمراوغة ، ووعدنا مجيء (الفي ) الذي هو الظل ، واذا احب القارئ الكريم ان يقرأها (الضل ) من الضلال ، الذي هو التيه والاعوجاج ، والانحراف عن جادة الصواب .
ومن الناحية الاجتماعية فالمثل ايضا يقصد بالذي يوعد وعدا في امر يتعلق بموقف اجتماعي ، وربما انساني في نفس الوقت ، فيظل الشخص المعني ينتظر صاحبه ساعات طويلة في الهجير وحر الظهيرة (وشلون حر حرنا تتمناه العدوك ) على امل ان يأتي الظل (الفي ) وبه الفرج ، لكن من دون فائدة .
المسؤول اجلسنا بالشمس واوعدنا حين مجيء الفي سيحل لنا جميع الخدمات من كهرباء الى ماء صافي ينعش الروح ، الى حل مسألة السكن ووداعا للإيجار ، واذا مطرت السماء – لا سمح الله – لا غرق بعد اليوم ، ولا عاصم غير الله . وبقدرة قادر جاء الفي ، لكن النتيجة مثلما قال مثل آخر : ( لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي ) لان العلة تكمن في سيد علي ، الذي قال بانه جاء عن طريق الانتخابات ، وان الشعب هو الذي اختاره ورشحه الى البرلمان وفاز ، لا عن طريق انقلاب كما في الحكومات التي حكمت العراق قبل الفين وثلاث . وهذا صحيح وله الحق . لكن هناك مسألتين جوهريتين : الاولى ان الشعب لم يكن له بعد نظر حينما اختار مثل هؤلاء الاشخاص ، وصوت بواقع طائفي ، وهو جديد عهد بنظام او لعبة الانتخابات ، فكان الذي كان . والمسالة الثانية ، وهي الاهم ، ان المسؤول قد تنصل عن الوعود التي قطعها على نفسه قبل صعوده الى قبة الانتخابات ، حيث وعد ناخبيه بالبناء والاعمار وتوفير السكن والقضاء على البطالة وتجفيف منابع الارهاب واعطاء كل مواطن عراقي حصة من مبيعات النفط ، وغير ذلك مما هو مسطور في برنامجه الانتخابي . لكن بالتالي كما قال المثل : ( اكعد بالشمس لمن يجيك الفي ) .
مقالات اخرى للكاتب