الأفتاء ليس تنظيرا أنما هو الزاما بما يقرره المفتي وجعله حقيقة ومنهج ينبغي السير عليه وبموجبه .
وفي الاسلام الافتاء شيوع رغبة العالم في جعل الناس تلتزم بما تعلمَ وآمن به ومنحهُ الصفة والمكانة للفتوى.
ولكل بقعة من بقاع الاسلام مفتيها يعود بحلمه الى الدين والمذهب ولهذا اختلف المفتون في الدين الواحد ، لأن التأريخ والتحزب والقبيلة تخندقت فيها الولاءات منذ خطبة الوداع والى اليوم.
وقديما كان الملوك في قراراتهم افتاء مطلق ، وقد اعطيت بعض السماحات للفلاسقة والشعراء ليفتوا بأمور لاتهم وتمس التيجان ، ولكن مع الديانات اصبح أفتاء الرًسل هو قول السماء ينقله الرسول ــ النبي الى الأمة .
وربما اكثر سلطة من الفيلسوف والشاعر كان الكاهن خادم الالهة الحجر في الحضارات الانسانية القديمة ( سومر ، بابل ، آشور ، الفرعونية ، الفينيقية ، الارامية ، الأغريقية ، والحضارات الاخرى في الهند والصين واوربا وحتى الطوطمية منها .
بقي الافتاء قائما وخصوصا بشكله الشرقية وتحت عباءة الاسلام ، وكان يمثل للرعية المنتمية الى مذهب وعرق وطائفة خط سير الوضوح والذي يُلزم الرعية للاقتداء فيه ، وبسبب هذا ، كثير من تلك الفتاوى ساهمت في اشعال فتنة وحرب واقتتال والبعض ساهم في ارساء السلم والمسامحة والمحبة.
رسميا والاكثر شيوعا في سلطة الافتاء هناك اربع امكنة لها . ( فتوى جهة مكة ، فتوى جهة النجف ، فتوى جهة الازهر ، وفتوى جهة قم ) .
لكن هذا لايعني ان تتعدد الفتاوى من غير تلك الامكنة العقائدية اللتان تمثلان جهتين مذهبيتين هما من اكبر مذاهب الاسلام ( السنة والشيعة ) ، حيث سنرى ان اغلب تلك الفتاوى خارج تلك الدائرة الرباعية هي وليدة متغيرات القرن العشرين وربما ابتدأت من المنظر الاخواني سيد قطب ، وحسن البنا وانتهاء ومرورا بفتاوى طلبان والقاعدة في كهوف قندهار ، والزرقاوي وانتهاء بفتاوى مغتصب الرقة ونينوى ابو بكر البغدادي.
أزمة اليوم هي تلك الفتاوي المتشددة من كهنة داعش وهم يدعون فيها للجهاد المفخخ ، جهاد حرق النسل ، والمجتمع بحجة تأسيس دولة للخلافة تقوم على أسس غامضة محفلية متخلفة ، ولكنها مغرية للكثير من السذج والبسطاء والمحروميين والذين يعيشون الازمة الامبريالية ــ الروحية التي اقدمت عليها القوى الكبرى واكثره تأثيرا ما كان بعد احداث منهاتن.
عيب تلك الفتاوى انها تدعو الى القتل اولا واخيرا ، ومن يتلقفها دون حتى فهم الفحوى هو الشاب الأسيوي ، والشاب المسلم المغترب من لغته وفهم فحوى الدين والمنتمي الى مجتمعات غربية ، وأولئك الشباب من ابناء الجزيرة العربية الذين يتأثرون بخطابات بعض علماء الغلو والتحريض والتي صنعتها ثقافة المتغير بعد سقوط بغداد.
المفتي الداعشي اليوم هو اخطر كهنة النصيحة الخطرة والمسلك الدموي القائم على فلسفة تفجير الجسد من اجل اعلاء راية الدين ، وتلك رؤية لاتمت للحضارة بأي صلة ، أنما هو منهج لم نألفه إلا مع حروب التتر والمذابح العرقية والأثنية التي شهدها التاريخ العربي منذ توسع الفتوحات وما قبلها والى اليوم.
الآن نحتاج الى وضع اجتماعي وسياسي وجغرافي لما بعد هذا الافتاء الارهابي القاسي ، وحتما هذا الوضع ان تم ترسيخه وهزيمة مفتيه سيوفر لنا جمالية في الحال والاحوال وربما نستعيد الاطمئنان الى حياتنا في مدننا ، في بيوتنا ، في شوارعنا.
جمالية الحال لما بعد المفتي هو جزء من أمل أمة وليس أمل وطن ومواطن ...
مقالات اخرى للكاتب